فصل: مسألة يشتري بالدرهم فيقول كله وأعطني بما فيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يشتري بالدرهم فيقول كله وأعطني بما فيه:

وسئل مالك عن الذي يشتري بالدرهم فيقول: كله وأعطني بما فيه.
قال: أكره ذلك له، ولم أر كراهيته أنا عنده وجها فيه حجة إلا أنه قد لج فيه وقال لا أحبه، قال ابن القاسم: لا بأس به قال محمد بن رشد: وجه الكراهية في ذلك أن مبلغ ما انعقد عليه البيع بينهما غير معلوم حال العقد، وإنما يعلم بعد وزن الدراهم كشراء الصبرة كل قفيز بدرهم لأن السوم معلوم، ومقدار ما انعقد البيع عليه بينهما لا يعلم إلا بعد كيل الصبرة، وعبد العزيز بن سلمة لا يجيز ذلك، فقول مالك في هذه المسألة كقول عبد العزيز في مسألة الصبرة إذ لا فرق في المعنى بين المسألتين إذ يتقى من الجهل في الثمن ما يتقي منه في المثمون ويستجاز من الجهل فيه ما يستجاز من الجهل فيه، فإذا جاز شراء الصبرة على الكيل وإن لم يعلم ما فيها إلا بعد كيلها جاز الشراء بالدرهم وإن لم يعلم ما فيه إلا بعد قربة اللهم إلا أن يفرق بينهما أن الدراهم لفا لم يجز بيعها جزافا على الوزن وأن الطعام وشبهه مما يكال لما جاز بيعه جزافا جاز بيعه جزافا على الكيل وليس ذلك ببين إذ لا فرق بين أن يقول: كل هذا الدرهم وأعطني بما فيه وكل هذا التبر وأعطني بما فيه فهي جائزة على قياس قول مالك في مسألة الصبرة وغير جائزة على قياس عبد العزيز فيها وبالله التوفيق.

.مسألة كانت بينهما نقرة فضة فقال أحدهما لصاحبه إن لي بها حاجة فكله:

ومن كتاب أوله حديث طلق ابن حبيب:
وسئل مالك عن رجلين كانت بينهما نقرة فضة، فقال أحدهما لصاحبه: إن لي بها حاجة فكله، فما كان فيها أعطيك نصفها دراهم كيلا.
قال: إن كان بحضرة ذلك يدا بيد فلا بأس به.
محمد بن أحمد: مثل هذا في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك لما في قسمتها من المؤنة، وروى أشهب عن مالك أن ذلك لا يجوز، وتقسم، إذ لا مضرة في قسمتها، وإنما لم يجز ذلك لأن الشيء إذا وزن مجتمعا ثم فرق زاد ونقص واستخف ابن القاسم هذا المعنى في هذه المسألة، واستثقله في مسألة الدرهمين الفردين يؤخذ بوزنهما تبر فضة فلم يجز ذلك، وقد مضى ذلك في رسم القبلة.
واتفقوا على أن ذلك جائز في الحلي أن يكون بين الشريكين لما في قسمته من المضرة والفساد، على أن ذلك لا يجوز في الدنانير تكون بينهما في كيس مطبوع عليه ولا مضرة في قسمتها.

.مسألة وكل أحد الرجلين صاحبه على أن يشتري نقرة أو دراهم أو دنانير:

قال ابن القاسم: لا بأس أن يشتري الرجل النقرة الفضة أو الدراهم يوكل أحدهما صاحبه أن يقبضها وينصرف بها أو ينقلب بها أحدهما دون صاحبه ولا ينقلب بها الآخر.
قال محمد بن رشد: إذا وكل أحد الرجلين صاحبه على أن يشتري نقرة أو دراهم أو دنانير فاشترى ذلك لنفسه ولمن وكله وانصرف به فلا إشكال في جواز ذلك ولا كلام فيه؛ لأنه إذا جاز أن يوكل الرجل من يصرف له لنفسه جاز له، وإنما الكلام إذا اشترى الرجل نقرة أو دراهم أو دنانير بينهما، فذهب أحدهما ووكل الآخر على قبضها، فظاهر قوله هنا أو ينقلب بها أحدهما دون صاحبه أن ذلك جائز؛ لأن معنى المسألة أو ينقلب بها أحدهما دون صاحبه بعد أن اشتريا ذلك جميعا، ومثله في الظاهر في رسم البيع والصرف من سماع أصبغ، بل هو أبين، وقد نص على جواز ذلك في سماع أبي زيد.
وظاهر ما في المدونة أن ذلك لا يجوز إلا أن يقبض ذلك بحضرته قبل أن يفارقه، ونص ما في المدونة على أن الرجل إذا صرف لا يجوز له أن يذهب ويؤكل من يقبض له، وإنما يجوز له توكيله إذا قبض الوكيل بحضرته قبل أن يفارقه فقيل: إن الاختلاف في مسألة الشريكين داخل في هذه، وقيل: إنه لا يدخل فيها، ويفرق بينهما على أحد القولين بعلة الاشتراك، والصواب أن الاختلاف داخل فيها إذ قد ساوى بينهما في المدونة، ولا فرق بين أن يوكل الرجل أجنبيا على قبض ما صرف لنفسه، أو يوكل شريكه على قبض حصته من الصرف.
فيحصل في المسألة ثلاثة أقوال أحدهما أنه يجوز ويوكل من يقبض له في المسألتين جميعا، والثاني أن ذلك لا يجوز إلا أن يقبض بحضرته قبل أن يفارقه في المسألتين جميعا، والثالث الفرق بين أن يصرف ويوكل من يقبض له أو يوكل شريكه على قبض ما صرفاه جميعا، فلا يجوز إذا وكل على قبض ما صرف لنفسه إلا أن يقبض الوكيل بحضرته، ويجوز إذا وكل على قبض ما صرف لنفسه إلا أن يقبض الوكيل بحضرته، ويجوز إذا وكل شريكه على قبض ما صرفاه أن يقبض بعد ذهابه.

.مسألة يشتري الرجل فضة ولا دراهم ولا حليا فتجب له ثم يسأله رجل أن يشركه فيها:

قال: ولا خير في أن يشتري الرجل فضة ولا دراهم ولا حليا فتجب له ثم يسأله رجل أن يشركه فيها وان كان الذي أشرك ينقلب به جميعا حتى يقاسمه ما أشركه فيه ويأخذ منه ذهبه فيقاسمه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة تخرج على ثلاثة أقوال: أحدهما هذا، ورواه ابن وهب أيضا عن مالك، وزاد أن ذلك صرف لا يحل ألا يدا بيد، وهو على القول بأن عهدة المشترك جميع ذلك لا حصته، وذلك على القول بأن عهدة المشترك على البائع الأول؟ والثالث أن ذلك لا يجوز إلا أن يقاسمه أو يدفع إليه الجميع يكون عنده حتى يبيعه إن كان إنما اشتراه لتجارة، روى ذلك أشهب عن مالك، وهو استحسان على غير قياس، إذ لا اختلاف في أنه لا يجوز للرجل أن يصرف نصف دينار من رجل وإن أسلمه إليه إذا لم يتناجزا فيه من أجل شركته له فيه.

.مسألة سأل رجلا أن يسلفه ذهبا ويشتركان في دراهم يشتريانها:

ولو أن رجلا سأل رجلا أن يسلفه ذهبا ويشتركان في دراهم يشتريانها لم يكن بذلك بأس إذا كان السلف لا يجتر به من صاحبه عونا ولا مرفقا وينقلب بها من شاء منهما.
قال محمد بن رشد: قوله إذا كان السلف لا يجتر به من صاحبه عونا ولا مرفقا صحيح لأنه إذا اجتر به عونا فهو سلف جر منفعة، وقد «نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سلف جر نفعا». ومثله في أول سماع ابن القاسم من كتاب الشركة، وزاد قال ابن القاسم قال لي مالك بعد ذلك: لا خير فيه على حال ومعنى ذلك أنه لم يصدقه أنه لم يرد بذلك الوفق لنفسه إذا كان هو الذي سأله أن يسلفه ويشاركه الصدق أنه لم يرد بذلك منفعته قولا واحدا. وأما قوله: وينقلب بها من شاء منهما فمعناه بأمر صاحبه وحضرته باتفاق، أو بعد ذهابه على اختلاف. وقد مضى تحصيل القول في ذلك فوق هذا في هذا الرسم فلا معنى لإعادته هاهنا.

.مسألة يستأجر الصراف على أن ينتقد له دنانير ويزنها في بيع ميراث فيوجد فيها ذهب:

ومن كتاب أخذ يشرب خمرا:
قال: وسئل عن الرجل يستأجر الصراف على أن ينتقد له دنانير ويزنها في بيع ميراث فيوجد فيها ذهب قباح، أترى أن يضمن؟ قال: لا ضمان عليه إلا أن يكون غر من نفسه أن يكون يعرف أنه ليس من أهل البصر ولا التفرقة بالصرف. وأما إذا كان يعرف أنه غير عارف بذلك وأن مثله يبصر فلا أرى عليه شيئا، وقد يختلف الناس في البصر. قال سحنون: هذه أصح من التي تحتها حيث قال: إن غر فلا شيء له، وإن لم يغر فله الأجر.
قال: وسئل عن الصراف الذي يغر من نفسه فيأخذ زيفا أترى أن يضمن؟ فقال: لا ولكن أراه أن يؤدب وأن يمنع الأجر ولا أرى أن يغرم. قال ابن القاسم: فقلت لمالك: ما هو في الصراف إذا هو غر من نفسه؟ قال: يحرم أجره ويؤدب ولا أرى عليه غرما. قال ابن القاسم: وإذا هو لم يغر من نفسه وكان من أهل البصر أعطي أجره ولا غرم عليه؛ لأن البصير قد يزل بصره وقد اجتهد، الأول أصح رواية عندي وأصدق من هذه.
وسئل عن الذين يجعل لهم في بيع الرقيق والدواب فيبيع أحدهم الدابة فيأخذ جعله ثم يوجد بالدابة عيب فترد، أترى له جعله؟ قال: لا أرى له ذلك ولكن أرى أن يرد ما أخذ في جعله ولا أرى له شيئا إلا أن ينفذ ذلك. ثم قال: أرأيت لو باعها مرارا وهي ترد في كل مرة؟ أتريد أن يأخذ في ذلك في كل مرة جعلا؟ ليس هو كذلك، إنما يكون له على النفاد، فإن ردت رد ما أخذ من جعله. قال سحنون: هذه تبين لكل مسألة الصيرفي في أنه يرد ما أخذ من الأجر.
قال محمد بن رشد: قد تأول بعض الشيوخ أن الضمان الذي أراد مالك في قوله الأول لا ضمان عليه إلا أن يكون غر من نفسه، إنما هو أن يحرم الأجر على ما فسره، وفي قوله الآخر وأن ذلك باختلاف من قوله؛ وقيل معناه أن يغرم ما أخذ من الرديء وأن تفسيره الضمان في القول الثاني خلاف لقوله الأول إنه إن غر ضمن ما أخذ من الرديء وإذا ضمن وجبت له الأجرة، وإن لم يغر لم يضمن الرديء ولم يكن له أجرة، معناه إن كان الرديء مثل أجرته فأكثر. وأما إن كان الرديء أقل من أجرته فله تمام أجرته، وهو اختيار سحنون. وقوله الثاني إنه إن غر أدب ولم يضمن الرديء وحرم الأجر، معناه أيضا إن كان الرديء مثل أجرته فأكثر. وأما إن كان الرديء أقل من أجرته فله تمام أجرته، وهو مذهبه في المدونة. وإن لم يغر كان له الأجر مثل قول مالك في سماع أشهب في الدليل يكون للدلالة فيخطئ الطريق. وتحصيل الاختلاف في هذا أنه إن لم يغر فلا اختلاف في أنه لا يضمن الرديء، واختلف في أجرته على قولين: أحدهما أن لا يضمنه ولا تكون له أجرة كاملة، والثاني أنه لا أجرة له إلا أن يكون الرديء أقل من أجرته فيكون له تمام أجرته، والثاني أنه يضمنه ويحاسب في ذلك بأجرته، فمن كان له الفضل منهما على صاحبه رجع به عليه. وأما الذي يجعل له الجعل على البيع فيبيع ثم ترد الدابة من عيب، فإن كان علم بالعيب فغر به رد الجعل باتفاق، وإن كان لم يعلم به رد على اختلاف. وذهب ابن دحون إلى أنه يرد الجعل باتفاق لأنه جعل لا يجب إلا بالبيع، بخلاف هذه المسألة لأنها إجارة، والإجارة تجب باع أو لم يبع، وعاب على سحنون تنظيره بين المسألتين، والتنظير بين المسألتين عندي صحيح؛ لأن الذي جعل له الجعل عليه قد فعله وهو البيع، وخطؤه في العيب الذي لم يبين به كخطئه فيما استؤجر له، فإما أن يعذر بخطئه في الوجهين جميعا فيأخذ واجبه فيهما، أو لا يعذر به فيسقط فيهما. وقد قيل: إن الاختلاف في رد الجعل مبني على الرد بالعيب هل هو نقض بيع، أو ابتداء بيع؟

.مسألة ابتاع طعاما أو ثوبا أو غير ذلك بدينار إلا درهمين فدفع الدينار وأخذ الدرهمين:

سئل عن رجل ابتاع طعاما أو ثوبا أو غير ذلك بدينار إلا درهمين فدفع الدينار وأخذ الدرهمين وما اشترى وانقلب به، ثم وجد أحد الدرهمين زائفا أترى أن يبدله أو يرد البيع كما يرد الصرف إذا وجد درهما زائفا؟
قال: بل أرى أن يبدله وليس هذا مثل الصرف، إنما الدرهمان هنا تبع ألا ترى أنه قد كان لحاق صكوك الجاري مبتاع بالذهب إلا الدرهم والدرهمين فيتعجلون الذهب والدرهمين ويتأخر الصكوك، فلم يكن به بأس ولم يروا أن تأخير الصكوك من قبل الصرف فما أرى به بأسا.
قال محمد بن رشد: أجاز البدل في هذه المسألة، إذ ليس بصرف محض مراعاة لقول من أجازه في الصرف المحض، وقد روى ابن وهب عنه من رواية الحارث عنه خلافه، ولو كانت الدراهم أكثر من درهمين لانتقض ذلك كله ولم يجز البدل فيه؛ لأنه كالصرف المحض على ما في سماع أبي زيد منه والله الموفق للصواب لا رب سواه.

.مسألة باع بعض الورثة نصيبه من حلي الذهب من أجنبي بوزنه من الذهب:

ومن كتاب أوله يسلف في المتاع:
قال: وسئل عن قوم ورثوا حليا وكانت معهم أخت منهم وتركت أمها خلخالين من ذهب وسوارين ودملجين، فسألت إخوتها أن يكيلوا ذلك كيلا فتنظركم وزنها؟ فينظر إلى نصيبهم من ذلك فتكليه لهم دنانير تعطيهم إياها.
قال مالك: إن كان ذلك نقدا عند ما يكيلون فلا أرى بذلك بأسا.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وهو مما لا اختلاف في جوازه إذا نقدت بالحضرة عند الوزن قبل التفرق، وقد مضى هذا المعنى في أول رسم طلق.
وكذلك لو اشترت نصيبهم منه بدراهم نقدا لجاز، ولو باع بعض الورثة نصيبه من حلي الذهب من أجنبي بوزنه من الذهب لم يجز، ولو باع نصيبه من أجنبي بدراهم لم يجز عند ابن القاسم، وجاز عند أشهب إن قبض الحلي كله والله الموفق.

.مسألة كان يسأل رجلا نصف دينار فجاءه يتقاضاه إياه فقال له إني مشغول:

وسئل عن رجل كان يسأل رجلا نصف دينار فجاءه يتقاضاه إياه، فقال له: إني مشغول، وهذا دينار فخذه فاذهب فصرفه فخذ نصفك وجئني بنصفي.
قال: لا بأس بذلك سحنون، قال ابن القاسم: وقد قيل لي: لا خير فيه، وهذا في الدينار أحب إلي، فأما ما كثر من الدنانير قال مالك: لا خير فيه قال ابن القاسم: وبه آخذ.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم: وهذا في الدينار أحب إلي يريد قول مالك الأول أنه لا بأس بذلك، ولم يذكر ما كثر من الدنانير اختلافا من قول مالك إن ذلك لا يجوز، فأخذ به، ومثله في كتاب الصرف من المدونة يريد في الرجل يكون له على الرجل الدراهم فيدفع إليه دنانير ليصرفها ويستوفي حقه منها، والعلة في أن ذلك لا يجوز ما ذكر في المدونة من أنه يخشى أن يمسكها فيكون مصرفا ويكون صاحب الدنانير في إجازة ذلك بالخيار، فيدخله استيخار في الصرف، وأجاز فيها أن يدفع إليه طعاما أو سلعة ليبيع ذلك ويستوفي حقه منها ما لم يكن الذي باع منه بالدراهم التي له عليه طعاما إن كان دفع إليه أكثر منها مخافة أن يأخذ ذلك لنفسه فيكون الطعام بالطعام إلى أجل، وعروض في عروض مثلها إلى أجل.
ولم يراع ما للدافع من الخيار في ذلك إن أخذ بها لنفسه فيدخله عدم المناجزة في فسخ ما كان له عليه من الدراهم في السلعة فاعترضها سحنون بذلك.
وأما إن كان للرجل على الرجل نصف دينار قائم، فدفع إليه دينارا ليصرفه فيأخذ نصفه ويأتيه بنصفه، فإنما اختلف قول مالك في ذلك من أجل أن المترتب له في ذمته ذهب، والذي يوجب له الحكم في القضاء صرف نصف دينار من الدراهم، إذ لا ينقسم، فإن دفع إليه مثقالا أخذ منه وصرف منه نصفه جاز باتفاق لأنه قبض منه النصف الذي ترتب له في ذمته من الذهب وصارفه في النصف الثاني مصارفة ناجزة، وإن دفع إليه مثقالا على أن يكون نصفه قضاء من حقه ويبقى النصف الثاني عنده أمانة جاز أيضا على مراعاة ما ثبت في الذمة، ولم يجز على مراعاة ما يوجبه الحكم حسبما مضى في رسم حلف ألا يبيع رجلا، فإن دفع إليه مثقالا على أن يكون نصفه له قضاء من حقه ويبقى النصف الثاني عنده سلفا جاز أيضا على مراعاة الثابت في الذمة لأنه قضى وسلف، قضى نصف دينار كما وجب له في ذمته وأسلفه نصف دينار، ولم يجز على مراعاة ما يوجب الحكم؛ لأنه صارفه في نصف المثقال على أن سلفه النصف الآخر، فدخل البيع والسلف حسبما ما مضى أيضا في رسم حلف المذكور، وقد مضى ذلك في رسم حلف في بعض الروايات.
وكذلك إن دفع إليه دينارا نصفه قضاء من حقه، ونصفه يسلفه له في سلعة، يجري هذا على الاختلاف، وستأتي هذه المسألة في رسم أسلم من سماع عيسى، وكذلك لو أعطاه دينارا نصفه قضاء من حقه، ونصفه أخذ به منه، وستأتي هذه المسألة في سماع أبي زيد من بعض الروايات، وكذلك إذا دفع إليه الدينار على أن يصرفه فيأخذ نصفه ويأتيه بنصفه، يتخرج اختلاف قول مالك في ذلك على هذين الوجهين؛ لأنه على مراعاة ما ثبت في الذمة قضاه نصف الدينار فصار شريكا معه فيه وكله على تصريفه فجاز، وعلى مراعاة ما يوجب الحكم قضاه النصف الدينار الذي دفع إليه عن الدراهم التي تجب عليه له بالحكم، فصار مصارفة غير ناجزة لبقائه معه شريكا في الدينار إلى أن يصرف ويقسما صرفه فلم يجز، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري من البياع بالدانق والدانقين والثلاثة فتكون درهمان أو ثلاثة:

وسئل مالك عن الرجل يشتري من البياع بالدانق والدانقين والثلاثة فتكون درهمان، أو ثلاثة فيعطيه دراهم.
قال: لا أرى بذلك بأسا ودين الله يسر.
قال محمد بن رشد: إنما خفف ذلك وقال: لا أرى به بأسا ودين الله يسر ولم يطلق القول بإجازته لأن الدراهم التي قضاه إياها إنما اجتمعت له قبله من دوانق مقطعة شيئا بعد شيء، وهي لو جمعت بعد أن توزن مقطعة لم يكن بد من أن تنقص عن وزن الدراهم التي قضاه أو يزيد عليها، وقد أثنى هذا المعنى في غير هذه المسألة حسبما قد ذكرناه في رسم القبلة وغيره، وأجازه في هذه المسألة لأنها نفقات تكثر، وأمر يعم، فلا يقدر على التوقي منه بأن يقضيه فيما يجمع له قلبه من الدوانق ذهبا أو فلوسا أو عروضا إلا لمشقة تدخل على الناس في ذلك.

.مسألة اقتضاء الطعام من ثمن الطعام:

قيل له: أفيأخذ منه بكسر فاكهة فيعطيه في ذلك حنطة بعد ذلك؟.
فقال: لا خير في هذا بيع الطعام إلى أجل.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن اقتضاء الطعام من ثمن الطعام كبيع الطعام بالطعام إلى آجل على مذهب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ وجميع أصحابه في القول بالمنع من الذرائع ولا حول ولا قوة بالله.

.مسألة باع من رجل ثوبا بنصف دينار فلم يقبضه حتى باعه بسلعة أخرى بنصف دينار:

ومن كتاب تأخير صلاة العشاء:
وسئل مالك عن رجل باع من رجل ثوبا بنصف دينار فلم يقبضه حتى باعه بسلعة أخرى بنصف دينار، فلما أراد أن يقبضه قال له: تعالى أعطيك دراهم نصفين، فقال له البائع: لا، لي عليك دينار، قال: أرى أن يغرم له دينارا قال ابن القاسم: وذلك رأيي أحب أو كره.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما يقضي لمن وجب له نصف دينار يصرفه من الدراهم من أجل أن الدينار القائم لا ينقسم، فإذا وجب له نصفان أعطاه دينارا قائما كما ثبت له في ذمته، ولم يكن له ليقطعه عليه ليعطيه دراهم إذا كان موسرا، ولو كان معسرا فأتاه بنصف دينار دراهم يجبر على أن يأخذه ويتبعه بالنصف الآخر، ولم يكن له أن يقول أنا أؤخره، حتى يوسر فيعطيني دينارا بمنزلة إذا كان له عليه ديناران فأتاه بدينار واحد وهو معسر.
ولو باع منه سلعة بدينار قائم فأتاه بنصف دينار دراهم وهو معسر فأبى أن يأخذه وقال: أنظره إلى أن يوسر فآخذ منه دينارا، لكان ذلك له، بخلاف إذا كان له عليه ديناران فأتاه بدينار وهو معسر فأبى أن يأخذه وقال: أنا أنظره إلى أن يوسر بالدينارين فآخذهما جملة.

.مسألة قطع الدراهم المقطوعة:

وسئل مالك عن قطع الدراهم المقطوعة.
فقال: أكره ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في أول سماع أشهب لأنه أجاز قطعها عند الحاجة إلى ذلك، خلاف ما في رسم البيوع الثاني من سماع أصبغ من إجازته لقطعها إذا لم تكن صحاحا مدورة مختلف في كراهة قطعها.
والصحاح المدورة النقص التي لا تجوز إلا بالوزن متفق على كراهة قطعها.
وأما القائمة التي تجوز عمدا فقطع الزائد منها على وزنها المعلوم جائز لمن استضربها، ومكروه لمن بايع بها، وما ردها ناقصة بمكروه في البلد التي تجوز فيه ناقصة، وحرام في البلد الذي لا تجوز فيه ناقصة، وقد مضى هذا المعنى في رسم شك في طوافه.

.مسألة اشترى بنصف دينار قمحا فدفع الدينار فقبض بنصفه دراهم وفارقه إلى أن يأتيه بالحمال:

وسئل عمن اشترى بنصف دينار قمحا فدفع الدينار فقبض بنصفه دراهم وفارقه إلى أن يأتيه بالحمال.
قال: لا أرى ذلك، وأراه من الصرف.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن من انضاف إلى الصرف من السلع فحكمه حكم الصرف في وجوب المناجزة مثله، ومثله في المدونة قال فيها في الذي يشتري السلعة إلى أجل بنصف دينار ثم يدفع دينارا ويأخذ صرف نصفه إن ذلك لا يجوز؛ لأنه صرف وسلعة متأخرة إلى أجل، ولو كان هذا الذي صرفه من الدينار قيمة درهم أو درهمين لجاز ذلك على قول أشهب وروايته عن مالك في المدونة خلاف قول ابن القاسم.
ولو اشترى السلعة بنصف دينار فقبضها فلما حل الأجل دفع إلى البائع دينارا وقبض منه صرف نصفه يدا بيد جاز ذلك عندهما جميعا.

.مسألة يكون له على الرجل نصف دينار إلى شهر فيشتري منه ثوبا آخر بنصف دينار:

وسئل مالك عن الرجل يكون له على الرجل نصف دينار إلى شهر فيشتري منه ثوبا آخر بنصف دينار على أن يعطيه دينارا إلى محل أجل النصف.
قال: ما يعجبني ولكن يبيع ولا يشترط، ويصنعان إذا حل الأجل ما أحبا فقلت له: فإذا اشترطا؟ قال: ما يعجبني ولكن يبيعه ولا يشترط، قال ابن القاسم في غير هذا الباب: ولو أراد المشتري أن يقطع عليه غير الثمنين ويعطيه بثمن كل ثوب دراهم وأبى البائع إلا أن يعطيه دينارا فإنما أجبر المبتاع بأن يعطيه دينارا قائما بوزنه.
قال محمد بن رشد: قوله ولكن يبيع ولا يشترط ويصنعان إذا حل الأجل ما أحبا، كلام فيه نظر؛ لأن الشرط لا يمنعهما أن يصنعا إذا حل الأجل ما أحبا، وإنما يمنع من اشترط عليه الشرط أن يخرج عما اشترط عليه، فكان حق الكلام أن يكون: ولكن يبيع ولا يشترط ويعطيه دينارا عند محل الأجل إن تشاحا وكراهيته لهذا الشرط هو نحو ما في المدونة لمالك من أنه كره أن يبيع الرجل سلعته بنصف دينار إلى أجل ويشترط أن يأخذ بذلك النصف الدينار إذا حل الأجل دراهم وهما إذا تشاحا إذا حل الأجل إنما يأخذ منه دراهم بصرف ذلك اليوم كما اشترط.
وظاهر هذا أنه لما اشترط ما يوجبه الحكم فكان بعض الناس يذهب إلى أن من الشروط التي يوجبها الحكم ما لا يجوز اشتراطه وهو ما كان منها مخالفا للقياس والنظر، ويقيم ذلك من هذه المسائل، وليس ذلك بصحيح، إذ لا كراهة في اشتراط ما يوجبه الحكم؛ لأن شرطه والسكوت عنه سواء، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث بربرة: «خذيها واشترطي لهم الولاء» أي عليهم، وذلك مما يوجبه الحكم وإن لم يشترط لقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنما الولاء لمن أعتق»، وقال عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل»، فدل ذلك على أن من اشترط شرطا هو في كتاب الله فهو جائز، فإنما كره مالك الشرط في هذه المسائل لما فيها من مخالفة ما يوجبه الحكم، وذلك أن الذي باع سلعة بنصف دينار إلى أجل من رجل ثم باع منه سلعة أخرى بنصف دينار إلى ذلك الأجل قد يحل الأجل وللمبتاع على البائع نصف دينار يكون من حقه أن يقاصه به، فلا يجب عليه أن يقضيه إلا صرف ما بقي قبله من المثقال، فيكون الشرط إن اتفق هذا وما أشبهه مخالفا لما يوجبه الحكم.
والذي باع سلعة بنصف دينار إلى أجل وشرط أن يقضيه فيه دراهم إذا حل الأجل بصرف ذلك اليوم قد يحل الأجل وللبائع على المبتاع نصف دينار آخر، فيجب عليه أن يقضيه دينارا فيكون الشرط أيضا إن اتفق هذا مخالفا لما يوجبه الحكم، وقد مضى القول في أول هذا الرسم على قوله: إنه ليس للمشتري أن يقطع عليه الثمنين، فلا معنى لإعادته هاهنا وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع بمائة دينار متاعا فردى مجموعة فيعسر فيأخذ منه بها أكثر من عددها بكيلها:

ومن كتاب أوله الشريكان يكون لهما مال:
وسألت مالكا عن الرجل يبيع بمائة دينار متاعا فردى مجموعة فيعسر فيأخذ منه بها أكثر من عددها بكيلها.
قال: لا بأس بذلك، وقال مالك: كل ما اشترطت عدده وكيله كيلا فلا تأخذ به عددا، وما اشترطت مع العدد فلا بأس أن يأخذ به أكثر من عدده أو أقل من عدده إذا كان بكيله.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة وقعت في بعض الروايات.
وقوله فيها وما اشترطت كيلا فلا تأخذ به عددا معناه لا تأخذ به عددا يتحرى أن يكون بوزن مالك، أو عددا تعلم أنه أقل في الوزن مما لك؛ لأنه وإن علم أن العدد الذي أخذ أقل في الوزن مما كان له لم يجز، فإنه ترك زيادة الوزن لفضل العدد، وأما إن علم أن العدد الذي أخذ أكثر في الوزن مما كان له فذلك جائز؛ لأنه أخذ أكثر في الوزن وأفضل في العدد، فلم يكن ثم موضع للتهمة وسبب في المبايعة، فوجب أن يكون، وهو نص قوله في المدونة: إن القائمة يقتضي من المجموعة لأنها أكثر في الوزن وأفضل في العدد.
وأما قوله: وما اشترطت عددا فلا تأخذ به كيلا، فظاهره أنه لا تأخذ به كيلا مثل وزنه ولا أقل ولا أكثر مثل وزنه، فلا يجوز على حال، وأما أقل من وزنه فيجوز إن كان أقل عددا ولا يجوز إن كان أكثر عددا وقد مضى هذا في رسم القبلة.