الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **
هو علم يعرف به طرق سلب الخواص من الجواهر المعدنية، وجلب خاصية جديدة إليها، وإفادتها خواصا لم تكن لها، والاعتماد فيه عن أن الفلزات كلها مشتركة في النوعية، والاختلاف الظاهر بينها إنما هو باعتبار أمور عرضية يجوز انتقالها. قال الصفدي في شرح لامية العجم: وهذه اللفظة معربة من اللفظ العبراني، وأصله كيم يه معناه أنه من الله وذكر الاختلاف في شأنه بامتناعه عنهم. وحاصل ما ذكره أن الناس فيه على طريقتين. فقال: كثير ببطلانه منهم الشيخ الرئيس ابن سينا أبطله بمقدمات من كتاب الشفاء، والشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله صنف رسالة في إنكاره، وصنف يعقوب الكندي أيضاً رسالة في إبطاله جعلها مقالتين، وكذلك غيرهم لكنهم لم يوردوا شيئاً يفيد الظن لامتناعه فضلاً عن اليقين بل لم يأتوا إلا بما يفيد الاستبعاد. وذهب آخرون إلى إمكانه منهم الإمام فخر الدين الرازي، فإنه في المباحث المشرقية عقد فصلا في بيان إمكانه. والشيخ نجم الدين بن أبي الدر البغدادي رد على الشيخ ابن تيمية، وزيف ما قاله في رسالته. ورد أبو بكر محمد بن زكريا الرازي على يعقوب الكندي رداً غير طائل، ومؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي المعروف بالطغرائي صنف فيه كتبا منها (2/ 457) حقائق الإشهادات وبين إثباته ورد على ابن سينا. ثم ذكر الصفدي نبذة من أقوال المثبتين والمنكرين. وقال الشيخ الرئيس: نسلم إمكان صبغ النحاس بصبغ الفضة، والفضة بصبغ الذهب، وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص فأما أن يكون المصبوغ يسلب أو يكسى أما الأول فحال وأما الثاني فلم يظهر إلى إمكانه بعد، إذ هذه الأمور المحسوسة يشبه أن لا تكون هي الفصول التي تصير بها هذه الأجساد أنواعا، بل هي أعراض ولوازم وفصولها مجهولة، وإذا كان الشيء مجهولا كيف يمكن أن يقصد قصد إيجاد أو إفناء. وذكر الإمام حججا أخرى للفلاسفة على امتناعه، وأبطل بعد ذلك ما قرره الشيخ وغيره، وقرر إمكانه واستدل في الملخص أيضاً على إمكانه فقال: الإمكان العقلي ثابت، لأن الأجسام مشتركة الجسمية، فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الكل على ما ثبت. وأما الوقوع فلأن انفصال الذهب عن غيره باللون والرزانة، وكل واحد منهما يمكن اكتسابه، ولا منافاة بينهما نعم الطريق إليه عسير. وحكى أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن ماجة الأندلسي في بعض تآليفه عن الشيخ أبي نصر الفارابي أنه قال: قد بين أرسطو في كتابه من المعادن أن صناعة الكيمياء داخلة تحت الإمكان إلا أنها من الممكن الذي يعسر وجوده بالفعل، اللهم إلا أن تتفق قرائن يسهل بها الوجود وذلك أنه فحص عنها أولا على طريق الجدل، فأثبتها بقياس، وأبطلها بقياس على عادته فيما يكثر عناده من الأوضاع، ثم أثبتها أخيرا بقياس ألفه من مقدمتين بينهما في أول الكتاب. وهما أن الفلزات واحدة بالنوع والاختلاف الذي بينها ليس في ماهياتها، وإنما هو في أعراضها فبعضه في أعراضها الذاتية وبعضه في أعراضها العرضية (2/ 458). والثانية: أن كل شيئين تحت نوع واحد اختلفا بعرض فإنه يمكن انتقال كل واحد منهما إلى الآخر فإن كان العرض ذاتيا عسر الانتقال، وإن كان مفارقا سهل الانتقال، والعسير في هذه الصناعة إنما هو لاختلاف أكثر هذه الجواهر في أعراضها الذاتية، ويشبه أن يكون الاختلاف الذي بين الذهب والفضة يسير جدا، انتهى كلامه. وقال الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري: إذا أراد المدبر أن يصنع ذهبا نظير ما صنعته الطبيعة من الزيبق والكبريت الظاهرين فيحتاج إلى أربعة أشياء: كمية كل واحد من ذنيك الجزئين. وكيفيته. ومقدار الحرارة الفاعلة للطبخ. وزمانه، وكل واحد منها عسر التحصيل. وأما إن أراد ذلك بأن يدبر دواء، وهو المعبر عنه بالإكسير مثلا ويلقيه على الفضة ليمتزج بها ويستقر خالدا حال جميع المعدنيات، وخواصها، وإن استخرجه بالقياس فمقدماته مجهولة ولا خفاء في عسر ذلك ومشقته، انتهى. وقال الصفدي: زعم الطبيعون في علة كون الذهب في المعدن إن الزيبق لما كمل طبخه جذبه إليه كبريت المعدن فاجنه في جوفه لئلا يسيل سيلان الرطوبات، فلما اختلطا واتحدا وزالت الحرارة الفاعلة للطبخ، وزمان تكون الذهب، وكل منهما عسر التحصيل. وأما إن أراد ذلك بأن يدبر دواء وهو المعبر عنه بالإكسير مثلا ويلقيه على الفضة في طبخها ونضجها، انعقد من ذلك ضروب المعادن، فإن كان الزئبق صافيا، والكبريت نقيا، واختلطت أجزاؤهما على النسبة، وكانت حرارة المعدن معتدلة، لم يعرض لها عارض من البرد واليبس، ولا من الملوحات، والمرارت، والحموضات (2/450) انعقد من ذلك على طول الزمان الذهب الإبريز. وهذا المعدن لا يتكون إلا في البراري الرملة والأحجار الرخوة، ومراعاة الإنسان النار في عمل الذهب بيده على مثل هذا النظام مما تشق معرفة الطريق إليه والوصول إلى غايته: فيا دارها بالخيف إن مزراها ** قريب ولكن دون ذلك أهوال وذكر يعقوب الكندي في رسالته: تعذر فعلل الناس لما انفردت الطبيعة بفعله، وخداع أهل هذه الصناعة، وجهلهم، وبطل دعوى الذين يدعون صنعة الذهب والفضة. قال المنكرون: لو كان الذهب الصباغي مثلا للذهب الطبيعي لكان ما بالصناعة مثلا لما بالطبيعة، ولو جاز ذلك لجاز أن يكون ما بالطبيعة مثلا لما بالصناعة، فكنا نجد سيفا، أو سريرا، أو خاتما بالطبيعة وذلك باطل. وقالوا أيضاً: الجواهر الصابغة إما أن تكون أصبر على النار من المصبوغ، أو يكون المصبوغ أصبر أو تكونا متساويين. فإن كان الصابغ أصبر وجب أن يكون المصبوغ أصبر، ووجب أن يفنى الصابغ ويبقى المصبوغ على حاله الأول عريا من الصبغ. وإن تساويا في الصبر على النار فهما من جنس واحد لاستوائهما في المصابرة عليها، فلا يكون أحدهما صابغا ولا مصبوغا وهذه الحجة الثانية من أقوى حجج المنكرين. والجواب من المثبتين عن الأولى: إنا نجد النار تحصل بالقدح واصطكاك الأجرام والريح تحصل بالمراوح، وأكواز الفقاع، والنوشادر قد تتخذ من الشعر، وكذلك كثير من الزاجات ثم بتقدير أن لا يوجد بالطبيعة ما لا يوجد بالصناعة، لا يلزمنا الجزم بنفي ذلك ولا يلزمنا من إمكان حصول الأمر الطبعي بالصناعة إمكان (2/ 460) العكس بل الأمر موقوف على الدليل. وعن الثانية: أنه لا يلزم من استواء الصابغ. والمصبوغ على النار استواؤهما في الماهية لما عرفت أن المختلفين يشتركان في بعض الصفات وفي هذا الجواب نظر. وحكى بعض من أنفق عمره في الطلب أن الطغرائي ألقى المثقال من الإكسير أولا على ستين ألف مثقال من معدن آخر فصار ذهبا، ثم أنه ألقى آخر المثقال على ثلاثمائة ألف، وأن مر يانس الراهب معلم خالد بن يزيد ألقى المثقال على ألف ألف ومائتي ألف مثقال، وقالت مارية القبطية: والله لولا الله لقلت أن المثقال بملأ ما بين الخافقين. والجواب الفصل ما قاله الغزي. كجوهر الكيمياء ليس ترى ** من ناله والأنام في طلبه وصاحب الشذور من جملة أئمة هذا الفن صرح بأن نهاية الصبغ إلقاء الواحد على الألف في قوله: فعاد بلطف الحل والعقد جوهرا ** يطاع في النيران واحده الألفا وزعم بعضهم أن المقامات للحريري، وكليلة ودمنة، رموز في الكيمياء، ويزعمون أن الصناعة مرموزة في صورة البراري، وقد كتب بعض من جرب وتعب وأقلقه الجد وظن أن جدها لعب على مصنفات جابر تلميذ إمام جعفر الصادق: هذا الذي مقاله ** غر الأوائل والأواخر ما أنت إلا كاسر ** كذب الذي سماك جابر وكان قد شغل نفسه بطلب الكيمياء، فأفنى بذلك عمره. وذكر الصفدي أن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وإمام الحرمين كان كل منهما مغرى به. واعلم أن المعتنين به بعضهم يدبر مجموع الكبريت والزيبق في حر النار (2/ 461) لتحصل امتزاجات كثيرة في مدة يسيرة لا يحصل في المعدن إلا في زمان طويل، وهذا أصعب الطرق لأنه يحتاج إلى عمل شاق. وبعضهم يؤلف المعادن على نسبة أوزان الفلزات وحجمها. وبعضهم يجهل القياس فيحصل لهم الاشتباه والالتباس، فيستمدون بالنباتات، والجمادات، والحيوانات، كالشعر، والبيض، والمرارة، وهم لا يهتدون إلى النتيجة. ثم إن الحكماء أشاروا إلى طريقة صنعة الإكسير على طريق الأحاجي، والألغاز، والتعمية، لأن في كتمه مصلحة عامة فلا سبيل إلى الاهتداء بكتبهم والله يهدي من يشاء. قال أبو الأصبع عبد العزيز بن تمام العراقي يشير إلى مكانة الواصل لهذه الحكمة: فقد ظفرت بما لم يؤته ملك ** لا المنذران ولا كسرى بن ساسان ولا ابن هند ولا النعمان صاحبه ** ولا ابن ذي يزن في رأس غمدان قال الجلدكي في شرح المكتسب بعد أن بين انتسابه إلى الشيخ جابر وتحصيله في خدمته: وبالله تعالى أقسم أنه أراد بعد ذلك أن ينقلني عن هذا العلم مرارا عديدة ويورد علي الشكوك، يريد لي بذلك الإضلال بعد الهداية، ويأبى الله إلا ما أراد. فلما فهمت مراده وعلمت أن الحسد قد داخله مني حصرته في ميدان البحث، ومددت إليه سنان اللسان، وعجز عن القيام بسيف الدليل، ونادى عليه برهان الحق بالإفحام، فجنح للسلم، وقام واعتنقني، وقال: إنما أردت أن اختبرك وأعلم حقيقة مكان الإدراك منك، ولتكن من أهل هذا العلم على حذر ممن يأخذه عنك. واعلم أن من لا مفترض علينا كتمان هذا العلم وتحريم إذاعته لغير المستحق من بني نوعنا، وأن لا نكتمه عن أهله لأن وضع الأشياء في محالها من الأمور الواجبة ولأن في إذاعته خراب العالم وفي كتمانه عن أهله تضييع لهم (2/ 462). وقد رأينا أن الحكمة صارت في زماننا مهدمة البنيان لا سيما وطلبة هذا الزمان من أجهل الحيوان قد اجتمعوا على المحال، فإنهم ما بين سوقة وباعة، وأصحاب دهاء وشعبذة، لا يدرون ما يقولون، فأخذوا يتذاكرون الفقر، ويذكرون أن الكيمياء غناء الدهر، ويأتون على ذلك بزخارف الحكايات، ومع ذلك لا يجتمع أحد منهم مع الآخر على رأي واحد ولا يدرون كيف الطلب، مع أن حجر القوم لا يعد. وهذه المولدات الثلاث لكن جهالاتهم أوقعتهم في الضلال البعيد، ورأينا أنه وجب علينا النصيحة على من طلب الحكمة الإلهية، وهذه الصناعة الشريفة الفلسفية، فوضعنا لهم كتابنا الموسوم ((ببغية الخبير في قانون طلب الإكسير)) ثم وضعنا ((الشمس المنير في تحقيق الإكسير)). وفي هذا الفن رسالة للبخاري ذكر فيها حملة دلائل نقلية وعقلية تبلغ ستة وثلاثين. وفيه أيضاً: رسالة ابن سينا المسماة بمرآة العجائب، وأول من تكلم في علم الكيمياء، ووضع فيها الكتب، وبين صنعة الإكسير والميزان، ونظر في كتب الفلاسفة من أهل الإسلام، خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. وأول من اشتهر هذا العلم عنه جابر بن حيان الصوفي من تلامذة خالد كما قيل: حكمة أورثناها جابر ** عن إمام صادق القول وفي لوصي طاب في تربته ** فهو مسك في تراب النجف وذلك لأنه وفي لعلي واعترف له بالخلافة وترك الإمارة. واعلم أنه فرقها في كتب كثيرة، لكنه أوصل الحق إلى أهله، ووضع كل شيء في محله، وأوصل من جعله الله سبحانه وتعالى سببا له في الإيصال، ولكن اشغلهم بأنواع التدهيش والمحال لحكمة ارتضاها عقله ورأيه بحسب الزمان، ومع ذلك فلا يخلو كتاب من كتبه عن فوائد عديدة (2/ 463). وأما من جاء بعد جابر من حكماء الإسلام مثل مسلمة بن أحمد المجريطي، وأبي بكر الرازي، وأبي الأصبع بن تمام العراقي، والطغرائي، والصادق محمد بن أميل التميمي، والإمام أبي الحسن علي صاحب الشذور، فكل منهم قد اجتهد غاية الاجتهاد في التعلم والجلدكي متأخر عنهم. ثم اعلم أن جماعة من الفلاسفة كالحكيم هرمس، وأرسطاطاليس، وفيثاغورس، لما أرادوا استخراج هذه الصناعة الإلهية، جعلوا أنفسهم في مقام الطبيعة فعرفوا بالقوة المنطقية، والعلوم التجاربية، ما دخل على كل جسم من هذه الأجسام من الحر والبرد واليبوسة، وما خالطه أيضاً من الأجسام الأخر. فعملوا الحيلة في تنقيص الزائد، وتزييد الناقص من الكيفيات الفاعلة والمفعولة والمنفعلة لعلة تلك الأجسام، على ما يراد منها بالأكاسير الترابية والحيوانية والنباتية المختلفة في الزمان والمكان، وأقاموا التكليس مقام حرق المعادن، والتهابها والتسقية مقام، التبريد والتجميد والتساوي مقام التجفيف، والتشميع مقام الترطيب، والتليين والتقطير مقام التجوهر، والتفصيل مقام التصفية، والتخليص والسحق والتحليل مقام الالتيام، والتمزيج والعقد مقام الاتحاد والتمكين، واتخذوا جواهر الأصول شيئا واحدا فاعلا فعلا غير منفعل، محتويا على تأثيرات مختلفة شديدة القوة، نافذة الفعل والتأثير فيما يلاقي من الأجسام بحصول معرفة ذلك بالإلهامات السماوية، والقياسات العقلية والحسية. وكذلك فعل أيضاً أسقليقندر يونس، وأبدروماخس وغيرهم في تراكيب الترياق المعاجين والحبوب والأكحال والمراهم، فإنهم قاسوا قوى الأدوية بالنسبة إلى مزاج أبدان البشر والأمراض الغامضة فيها، وركبوا من الحار والبارد، والرطب واليابس، دواء واحدا ينتفع به في المداواة بعد مراعاة الأسباب كما فعل ذي مقراط أيضاً في استخراج صنعة إكسير الخمر، فإنه نظر أولا في أن الماء لا يقارب الخمر في شيء من القوام والاعتدال، لأنه ماء العنب، ووجد من خواص الخمر خمسا: والطعم والرائحة والتفريح والإسكار، فأخذ إذ شرع من أول تركيبه (2/ 464) للأدوية العقاقير الصابغة للماء بلون الخمر، ثم المشاكلة في الطعم، ثم المعطرة للرائحة، ثم المفرحة، ثم المسكرة، فسحق منها اليابسات، وسقاها بالمائعات، حتى اتحدت فصارت دواء واحدا يابسا، أضيف منه القليل إلى الكثير صبغه، انتهى من رسالة أرسطو. قال الجلدكي في نهاية الطب: إن من عادة كل حكيم أن يفرق العلم كله في كتبه كلها، ويجعل له من بعض كتبه خواص يشير إليها بالتقدمة على بقية الكتب لما اختصوا به من زيادة العلم. كما خص جابر من جميع كتبه كتابه المسمى بـ ((الخمسمائة)). وكما خص مؤيد الدين من كتبه كتابه المسمى بـ ((المصابيح والمفاتيح)). وكما خص المجريطي كتابه ((الرتبة)). وكما خص ابن أميل كتابه ((المصباح)). ثم قال الجلدكي: ومن شروط العالم أن لا يكتم ما علمه الله تعالى من المصالح التي يعود نفعها على الخاص، والعام، إلا هذه الموهبة فإن الشرط فيها أن لا يظهرها بصريح اللفظ أبدا ولا يعلم بها الملوك لا سيما الذين لا يفهمون. ومن العجب أن المظهر لهذه الموهبة مرصد لحلول البلاء به من عدة وجوه. أحدها: أنه إن أظهرها لم ينم عليه فقد حل به البلاء لأن ما عنده مطلوب الناس جميعا، فهو مرصد لحلول البلاء لأنهم يرون انتزاع مطلوبهم من عنده، وربما حملهم الحسد على إتلافه إن أظهره للملك يخاف عليه منه، فإن الملوك أحوج الناس إلى المال، لأن به قوام دولتهم، فربما يخيل منه أنه يخرج عنه دولته بقدرته على المال لا سيما ومال الدنيا كله حقير عند الواصل لهذه الموهبة. قال صاحب كنز الحكمة: فأما الواصل إلى حقيقته فلا ينبغي له أن يعترف به لأنه يضره وليس له منفعة البتة في إظهاره، وإنما يصل إليه كل عالم بطريق يستخرجها لنفسه إما قريبة وإما بعيدة، والإرشاد إنما يكون نحو الطريق العام (2/ 465)، وأما الطريق الخاص فلا يجوز أن يجتمع عليه اثنان، اللهم إلا أن يوفق إنسان بسعادة عظيمة، وعناية إلهية، لأستاذ يلقنه إياها تلقينا، وهيهات من ذلك إلا من جهة واحدة لا غير وهو أن يجتمع فيلسوفان أحدهما واصل، والآخر طالب، ولا يسعه أن يكتمه إياه وهذا أعز من الكبريت الأحمر وطلب الأبلق العقوق. انتهى. ونحن اقتفينا أثر الحكماء في كل ما وضعناه من كتبنا. قال في شرح المكتسب إلا أن كتابنا هذا امتن من كل كتبنا ما خلا الشمس المنير، وغاية السرور، فإن لكل واحد منهم مزية في العلم والعمل، فمن ظفر بهذه الكتب الثلاثة، فقط من كتبنا فلعله لا يفوته شيء من تحقيق هذا العلم. والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة منها حقائق الاستشهادات، وشرح المكتسب، وبغية الخبير والشمس المنير في تحقيق الإكسير، ورسالة للبخاري، ومرآة العجائب لابن سينا، والتقريب في أسرار التركيب، وغاية السرور شرح الشذور، والبرهان، وكنز الاختصاص، والمصباح في علم المفتاح، ونهاية الطلب في شرح المكتسب، ونتائج الفكرة ومفاتيح الحكمة ومصابيح الرحمة، وفردوس الحكمة وكنز الحكمة، انتهى. ما في ((كشف الظنون)). وقد أطال ابن خلدون في بيان علم الكيمياء ثم عقد فصلا في إنكار ثمرتها واستحالة وجودها وما ينشأ من المفاسد عن انتحالها. ثم قال وتحقيق الأمر في ذلك أن الكيمياء إن صح وجودها كما تزعم الحكماء المتكلمون، فيها مثل جابر بن حيان، ومسلمة بن أحمد المجريطي، وأمثالهما فليست من باب الصنائع الطبيعية، ولا تتم بأمر صناعي، وليس كلامهم فيها من منحى الطبيعيات، إنما هو من منحى كلامهم في الأمور السحرية، وسائر (2/ 466) الخوارق وما كان من ذلك للحلاج وغيره، وقد ذكر مسلمة في كتاب الغاية ما يشبه ذلك، وكلامه فيها في كتاب رتبة الحكيم من هذا المنحى وهذا كلام جابر في رسائله، ونحو كلامهم فيه معروف ولا حاجة بنا إلى شرحه وبالجملة فأمرها عندهم من كليات المواد الخارجة عن حكم الصنائع، فكما لا يتدبر ما منه الخشب والحيوان في يوم أو شهر خشبا أو حيوانا فيما عدا مجرى تخليقه، كذلك لا يتدبر ذهب من مادة الذهب في يوم ولا شهر، ولا يتغير طريق عادته إلا بإرفاد مما وراء عالم الطبائع وعمل الصنائع. فكذلك من طلب الكيمياء طلبا صناعيا، ضيع ماله وعمله، ويقال لهذا التدبير الصناعي: التدبير العقيم، لأن نيلها إن كان صحيحا فهو واقع مما وراء الطبائع والصنائع، فهو كالمشي على الماء، وامتطاء الهواء، والنفوذ في كثائف الأجساد، ونحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة، أو مثل تخليق الطير ونحوها من معجزات الأنبياء قال تعالى: وعلى ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال من يؤتاها، فربما أوتيها الصالح ويؤتيها غيره فتكون عنده معارة. وربما أوتيها الصالح ولا يملك إيتاءها فلا تتم في يد غيره، ومن هذا الباب يكون عملها سحريا، فقد تبين أنها إنما تقع بتأثيرات النفوس وخوارق العادة، إما معجزة، أو كرامة، أو سحرا، ولهذا كان كلام الحكماء كلهم فيها ألغاز لا يظفر بحقيقته إلا من خاض لجة من علم السحر واطلع على تصرفات النفس في عالم الطبيعة. وأمور خرق العادة غير منحصرة ولا يقصد أحد إلى تحصيلها والله بما يعملون محيط. وأكثر ما يحمل على التماس هذه الصناعة وانتحالها العجز عن الطرق الطبيعية للمعاش، وابتغاؤه من غير وجوهه الطبيعية كالفلاحة، والنجارة، والصناعة، فيستصعب العاجز ابتغاؤه، من هذه ويروم الحصول على الكثير من المال دفعة بوجوه غير طبيعية من الكيمياء وغيرها، وأكثر من يعني بذلك الفقراء من (2/ 467) أهل العمران حتى في الحكماء المتكلمين في إنكارها واستحالتها. فإن ابن سينا القائل باستحالتها كان عليه الوزراء فكان من أهل الغنى والثروة. والفارابي القائل بإمكانها كان من أهل الفقر الذين يعوزهم أدنى بلغة من المعاش وأسبابه، وهذه تهمة ظاهرة في أنظار النفوس المولعة بطرقها وانتحالها، والله الرزاق ذو القوة المتين لا رب سواه. قال في ((مدينة العلوم)): إ ن علم الكيمياء كان معجزة لموسى عليه السلام، علمه القارون فوقع منه ما وقع، ثم ظهر في جبابرة قوم هود، وتعاطوا ذلك، وبنوا مدينة من ذهب وفضة لم يخلق مثلها في البلاد. وممن اشتهر بالوصول إليه مؤيد الدين الطغرائي يقال: أنه وصل إلى الإكسير وهو الدواء الذي يدبره الحكماء ويلقونه على الجسد حال انفعاله بالذوبان، فيحيله كإحالة السم الجسد الوارد عليه لكن إلى الصلاح دون الفساد، ويعبرون عن مادة هذا الدواء بالحجر المكرم، وربما يقولون حجر موسى لأنه الذي علمه موسى عليه السلام لقارون، ويختلف حال هذا الدواء بقدر قوة التدبير وضعفه. يحكى أن واحدا سأل من مشائخ هذا الصنعة أن يعلمه هذا العلم، وخدمه على ذلك سنين، فقال: إن من شرط هذه الصنعة تعليمها لأفقر من في البلد، فاطلب رجلا لا يكون أفقر منه في البلد حتى نعلمه وأنت تبصرها فطلب مدة مثل ما يقول الأستاذ فوجد رجلا يغسل قميصا له في غاية الرداءة والدرن، وهو يغسله بالرمل ولم يقدر على قطعة صابون، فقال في نفسه: لم أر أفقر منه فأخبر الأستاذ، فقال: وجدت رجلا حاله وصفته كيت وكيت، فقال الأستاذ: والله إن الذي وصفته هو شيخنا جابر بن حيان الذي تعلمت منه هذه الصنعة وبكى. قال إن من خاصية هذه الصنعة إن الواصلين إليها يكونون في غاية الإفلاس. كما نقل عن الإمام الشافعي من طلب المال بالكيمياء أو الإكسير فقد (2/ 468) أفلس. إلا أنهم يقولون: إن حب الدنانير تفع عن قلب من عرفها، ولا يؤثر التعب في تحصيلها على الراحة في تركها، حتى قالوا: إن معرفة هذه الصنعة نصف السلوك لأن نصف السلوك رفع محبة الدنيا عن القلب، وذلك يحصل بمعرفتها، أي: حصول ومن قصد الوصول إلى ذلك بكتبهم وبتعبيراتهم وإشاراتهم فقد صار منخرطا في {الأخسرين أعمالا الذي ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. بل الوقوف على ذلك إن كان فبموهبة عظيمة من الملك المنان، أو بواسطة الكشف والإلهام من الله ذي الجلال الإكرام، أو بإنعام من الواصلين إلى هذا الأمر المكتوم إشفاقا، وإحسانا، ولا تتمن الوصول إلى ذلك بالجد والاهتمام، وإنما نذكر بعضا من كتبه إكمالا للمرام لا إطماعا في الوصول إلى ذلك السول. منها: كتاب جابر بن حيان وتذكرة لابن كمونة. وكتاب ((الحكيم)) المجريطي. وشرح الفصول لعيون بن المنذر، وتصانيف الطغرائي كثيرة في هذا الفن، ومعتبرة عند أربابها، والكتب، والرسائل في هذا الباب كثيرة لكن لا خير في الاستقصاء فيها، وإنما التعرض لهذا القدر لئلا يخلو الكتاب عنها بالمرة، نسأل الله تعالى خيري الدنيا والآخرة انتهى حاصله. والله أعلم بالصواب (2/ 469). هو العلم الذي تعمله العبد من الله تعالى من غير واسطة ملك ونبي بالمشافهة، والمشاهدة كما كان الخضر عليه السلام قال تعالى: {وآتيناه من لدنا علما}. وقيل: هو معرفة ذات الله تعالى وصفاته علماً يقينياً، من مشاهدة، وذوق ببصائر القلوب، كذا في مجمع السلوك، وهكذا في كشاف اصطلاحات الفنون. هو: علم باحث عن مدلولات جواهر المفردات، وهيئاتها الجزئية التي وضعت تلك الجواهر معها لتلك المدلولات بالوضع الشخصي، وعما حصل من تركيب كل جوهر، وهيئاتها من حيث الوضع، والدلالة على المعاني الجزئية. وغايته: الاحتراز عن الخطأ في فهم المعاني الوضعية، والوقوف على ما يفهم من كلمات العرب. ومنفعته: الإحاطة بهذه المعلومات وطلاقة العبارة وجزالتها، والتمكن من التفنن في الكلام، وإيضاح المعاني بالبيانات الفصيحة والأقوال البليغة (2/ 470). فإن قيل: علم اللغة عبارة عن تعريفات لفظية، والتعريف من المطالب التصورية، وحقيقة كل علم مسائله، وهي قضايا كلية، أو التصديقات بها، وأيا ما كان فهي من المطالب التصديقية فلا تكون اللغة علما. أجيب: بأن التعريف اللفظي لا يقصد به تحصيل صورة غير حاصلة كما في سائر التعاريف من الحدود والرسوم الحقيقية، أو الاسمية، بل المقصود من التعريف اللفظي: تعيين صورة من بين الصور الحاصلة ليلتفت إليه، ويعلم أنه موضوع له اللفظ، فما له إلى التصديق بأن هذا اللفظ موضوع بإزاء ذلك المعنى، فهو من المطالب التصديقية. لكن يبقى أنه حينئذ يكون علم اللغة عبارة عن قضايا شخصية، حكم فيها على الألفاظ المعينة المشخصة بأنها وضعت بإزاء المعنى الفلاني، والمسئلة لا بد وأن تكون قضية كلية. واعلم: أن مقصد علم اللغة مبني على أسلوبين: لأن منهم: من يذهب من جانب اللفظ إلى المعنى بأن يسمع لفظاً ويطلب معناه. ومنهم: من يذهب من جانب المعنى إلى اللفظ، فلكل من الطريقين قد وضعوا كتباً ليصل كل إلى مبتغاه، إذ لا ينفعه ما وضع في الباب الآخر. فمن وضع بالاعتبار الأول فطريقه ترتيب حروف التهجي. إما باعتبار أواخرها أبوابا، وباعتبار أوائلها فصولا، تسهيلا للظفر بالمقصود كما اختاره الجوهري في الصحاح، ومجد الدين في القاموس. وإما بالعكس أي: باعتبار أوائلها أبوابا، واعتبار أواخرها فصولا، كما اختاره ابن فارس في المجمل، والمطرزي في المغرب. ومن وضع بالاعتبار الثاني، فالطريق إليه أن يجمع الأجناس بحسب المعاني، ويجعل لكل جنس بابا، كما اختاره الزمخشري في قسم الأسماء من مقدمة الأدب. ثم إن اختلاف الهمم قد أوجب أحداث طرق شتى (2/ 471). فمن واحد أدى رأيه إلى أن يفرد لغات القرآن. ومن آخر إلى أن يفرد غريب الحديث. وآخر إلى أن يفرد لغات الفقه كالمطرزي في المغرب. وأن يفرد اللغات الواقعة في أشعار العرب، وقصائدهم، وما يجري مجراها، كنظام الغريب، والمقصود هو الإرشاد عند مساس أنواع الحاجات. والكتب المؤلفة في اللغة كثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون، على ترتيب حروف الهجاء، وألفت كتابا في أصول اللغة سميته ((البلغة)) وذكرت فيه كل كتاب ألف في هذا العلم إلى زمني هذا، وذكر صاحب ((مدينة العلوم)) كتاب في هذا العلم وأورد لكل كتاب ترجمة مؤلفه وبسط فيها فليراجعه. قال ابن خلدون: علم اللغة هو بيان الموضوعات اللغوية. وذلك أنه لما فسدت ملكة اللسان العربي في الحركات المسماة عند أهل النحو بالإعراب، واستنبطت القوانين لحفظها كما قلناه، ثم استمر ذلك الفساد بملابسة العجم، ومخالطتهم، حتى تأدى الفساد إلى موضوعات الألفاظ، فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم ميلا مع هجنة المتعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربية. فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتاب والتدوين خشية الدروس، وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث، فشمر كثير من أئمة اللسان لذلك وأملوا فيه الدواوين، وكان سابق الحلبة في ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي، ألف فيها كتاب العين، فحصر فيه مركبات حروف المعجم كلها من الثنائي، والثلاثي، والرباعي، والخماسي، وهو غاية ما ينتهي إليه التركيب في اللسان العربي، وتأتي له حصر ذلك بوجوه عددية حاصرة. وذلك أن جملة الكلمات الثنائية تخرج من جميع الأعداد على التوالي من واحد إلى سبعة وعشرين وهو دون نهاية حروف المعجم بواحد، لأن الحرف الواحد منها يؤخذ مع كل واحد من السبعة والعشرين فتكون سبعة وعشرين كلمة (2/ 472) ثنائية، ثم يؤخذ الثاني مع الستة والعشرين، كذلك ثم الثالث والرابع، ثم يؤخذ السابع والعشرون مع الثامن والعشرين، فيكون واحدا فتكون كلها أعدادا على توالي العدد من واحد إلى سبعة وعشرين. فتجمع كما هي بالعلم المعروف عند أهل الحساب، ثم تضاعف لأجل قلب الثنائي لأن التقديم والتأخير بين الحروف معتبر في التركيب فيكون الخارج جملة الثنائيات، وتخرج الثلاثيات من ضرب عدد الثنائيات، فيما يجمع من واحد إلى ستة وعشرين لأن كل ثنائية يزيد عليها حرفا، فتكون ثلاثية فتكون الثنائية بمنزلة الحرف الواحد مع كل واحد من الحروف الباقية وهي ستة وعشرون حرفا بعد الثنائية، فتجمع من واحد إلى ستة وعشرين على توالي العدد، ويضرب فيه جملة الثنائيات، ثم يضرب الخارج في ستة، جملة مقلوبات الكلمة الثلاثية فيخرج مجموع تراكيبها من حروف المعجم. وكذلك في الرباعي، والخماسي، فانحصرت له التراكيب بهذا الوجه ورتب أبوابه على حروف المعجم بالترتيب المتعارف. واعتمد فيه ترتيب المخارج فبدأ بحروف الحلق، ثم ما بعده من حروف الحنك، ثم الأضراس، ثم الشفة، وجعل حروف العلة آخرا، وهي: الحروف الهوائية. وبدأ من حروف الحلق بالعين، لأنه الأقصى منها، فلذلك سمى كتابه بالعين، لأن المتقدمين كانوا يذهبون في تسمية دواوينهم إلى مثل هذا، وهو تسمية بأول ما يقع فيه من الكلمات، والألفاظ، ثم بين المهمل منها من المستعمل، وكان المهمل في الرباعي، والخماسي، أكثر لقلة استعمال العرب له لثقله، تلحق به الثنائي لقلة دورانه، وكان الاستعمال في الثلاثي أغلب فكانت أوضاعه أكثر لدورانه. وضمن الخليل ذلك في كتاب ((العين)) واستوعبه أحسن استيعاب، وأوعاه. وجاء أبو بكر الزبيدي، وكتب لهشام المؤيد بالأندلس في المائة الرابعة، فاختصر مع المحافظة على الاستيعاب، وحذف منه المهمل كله، وكثيرا من شواهد المستعمل (2/ 473) ولخصه للحفظ أحسن تلخيص. وألف الجوهري من المشارقة كتاب الصحاح على الترتيب المتعارف لحروف المعجم، فجعل البداءة منها بالهمزة، وجعل الترجمة بالحروف على الحرف الأخير من الكلمة، لاضطرار الناس في الأكثر إلى أواخر الكلم، وحصر اللغة اقتداء بحصر الخليل. ثم ألف فيها من الأندلسيين، ابن سيدة من أهل دانية في دولة علي بن مجاهد كتاب المحكم على ذلك المنحى من الاستيعاب، وعلى نحو ترتيب كتاب العين، وزاد فيه التعرض لاشتقاقات الكلم وتصاريفها فجاء من أحسن الدواوين. ولخصه محمد بن أبي الحسن صاحب المستنصر من ملوك الدولة الحفصية بتونس، وقلب ترتيبه إلى ترتيب كتاب الصحاح في اعتبار أواخر الكلم وبناء التراجم عليها، فكانا توأمي رحم وسليلي أبوة. هذه أصول كتب اللغة فيما علمناه. وهناك مختصرات أخرى مختصة بصنف من الكلم مستوعبة لبعض الأبواب، أو لكلها، إلا أن وجه الحصر فيها خفي، ووجه الحصر في تلك جلي من قبل التراكيب كما رأيت. ومن الكتب الموضوعة أيضاً في اللغة: كتاب الزمخشري في المجاز، بين فيه كل ما تجوزت به العرب من الألفاظ، وفيما تجوزت به من المدلولات، وهو كتاب شريف الإفادة. ثم لما كانت العرب تضع الشيء على العموم، ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظا أخرى خاصة بها، فرق ذلك عندنا بين الوضع والاستعمال واحتاج إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ، كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض، ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب، ومن الإنسان بالأزهر، ومن الغنم بالأملح، حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحنا وخروجا عن لسان العرب (2/ 474). واختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي، وأفرده في كتاب له سماه فقه اللغة، وهو من آكد ما يأخذ به اللغوي نفسه أن يحرف استعمال العرب عن مواضعه، فليس معرفة الوضع الأول بكاف في التركيب حتى يشهد له استعمال العرب لذلك، وأكثر ما يحتاج إلى ذلك الأديب في فني نظمه ونثره حذرا من أن يكثر لحنه في الموضوعات اللغوية، في مفرداتها وتراكيبها، وهو أشد من اللحن في الإعراب وأفحش. وكذلك ألف بعض المتأخرين في الألفاظ المشتركة وتكفل بحصرها وإن لم يبلغ إلى النهاية في ذلك فهو مستوعب للأكثر. وأما المختصرات الموجودة في هذا الفن المخصوصة بالمتداول من اللغة الكثير الاستعمال تسهيلا لحفظها على الطالب فكثيرة، مثل: الألفاظ لابن السكيت، والفصيح لثعلب، وغيرهما وبعضها أقل لغة من بعض لاختلاف نظرهم في الأهم على الطالب للحفظ، والله الخلاق العليم لا رب سواه انتهى. وذكر في ((مدينة العلوم)) من المختصرات: كتاب العين للخليل بن أحمد، والمنتخب، والمجرد لعلي بن حسن المعروف بكراع النمل، والمنضد في اللغة المجرد. ومن المتوسطات: المجمل لابن حسن الفارس، وديوان الأدب للفارابي. ومن المبسوطات: المعلم لأحمد بن أبان اللغوي، والتهذيب، والجامع للأزهري، والعباب الزاخر للصغاني، والمحكم لابن سيدة، والصحاح للجوهري، واللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم، والعباب، والقاموس المحيط، قال. ومن الكتب الجامعة: لسان العرب جمع فيه بين التهذيب، والمحكم، والصحاح، وحواشيه، والجمهرة، والنهاية للشيخ محمد بن مكرم بن علي، وقيل (2/ 475): رضوان بن أحمد بن أبي القاسم. ومن المختصرات: السامي في الأسامي للميداني، والدستور، ومرقاة الأدب، والمغرب في لغة الفقهيات خاصة للمطرزي، ومختصر الإصلاح لابن السكيت، وكتاب طلبة الطلبة لنجم الدين أبي حفص عمر بن محمد ويختص بالفقهيات. ومما يختص بغريب الحديث: نهاية الجزري، والغريبين، جمع فيه وبين غريب الحديث والقرآن. ومنهم من أفرد اللغات الواقعة في أشعار العرب، وقصائدهم، إلى غير ذلك انتهى. وذكر تراجم اللغويين تحت الكتب المذكورة ومن أبسط الكتب في اللغة وأنفعها كتاب، تاج العروس في شرح القاموس، للسيد مرتضى الزبيدي المصري البلجرامي، وبلجرام قصبة بنواحي قنوج، موطن هذا العبد الضعيف. وكتاب المصباح ومختار الصحاح. وفي كتابنا البلغة كفاية لمن يريد الإطلاع على كتب هذا العلم (2/ 476) (2/477).
|