الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*1*المجلد السادس *2*كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الشرح: قوله: (كتاب الجهاد) كذا لابن شبويه، وكذا للنسفي لكن قدم البسملة، وسقط " كتاب " للباقين واقتصروا على " باب فضل الجهاد " لكن عند القابسي " كتاب فضل الجهاد " ولم يذكر باب، ثم قال بعد أبواب كثيرة " كتاب الجهاد. باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام " وسيأتي. والجهاد بكسر الجيم أصله لغة المشقة، يقال: جهدت جهادا بلغت المشقة. وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق. فأما مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها، وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات، وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب، وأما مجاهدة الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب، وقد روى النسائي من حديث سبرة - بفتح المهملة وسكون الموحدة - ابن الفاكه - بالفاء وكسر الكاف بعدها هاء - في أثناء حديث طويل قال: " فيقول - أي الشيطان - يخاطب الإنسان: تجاهد فهو جهد النفس والمال " واختلف في جهاد الكفار هل كان أولا فرض عين أو كفاية. وسيأتي البحث فيه في " باب وجوب النفير". *3* وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْحُدُودُ الطَّاعَةُ الشرح: قوله: (باب فضل الجهاد والسير) بكسر المهملة وفتح التحتانية جمع سيرة، وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته. قوله: (وقول الله تعالى: قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: الجنة. قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل " فنزل قوله: (قال ابن عباس الحدود الطاعة) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله: الحديث: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ سَمِعْتُ الْوَلِيدَ بْنَ الْعَيْزَارِ ذَكَرَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي الشرح: حديث ابن مسعود " أي العمل أفضل " وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت، وأغرب الداودي فقال في شرح هذا الحديث: إن أوقع الصلاة في ميقاتها كان الجهاد مقدما على بر الوالدين، وإن أخرها كان البر مقدما على الجهاد. ولا أعرف له في ذلك مستندا، فالذي يظهر أن تقديم الصلاة على الجهاد والبر لكونها لازمة للمكلف في كل أحيانه، وتقديم البر على الجهاد لتوقفه على إذن الأبوين. وقال الطبري: إنما خص صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة بالذكر لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات، فإن من ضيع الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها من غير عذر مع خفة مؤنتها عليه وعظيم فضلها فهو لما سواها أضيع، ومن لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل برا، ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عدواتهم للدين كان لجهاد غيرهم من الفساق أترك، فظهر أن الثلاثة تجتمع في أن من حافظ عليها كان لما سواها أحفظ، ومن ضيعها كان لما سواها أضيع. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا الشرح: حديث ابن عباس " لا هجرة بعد الفتح " وسيأتي شرحه بعد أبواب في " باب وجوب النفير". الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ قَالَ لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ الشرح: حديث عائشة " جهادكن الحج"، وقد تقدم شرحه في كتاب الحج، ووجه دخوله في هذا الباب من تقريره صلى الله عليه وسلم لقولها: " نرى الجهاد أفضل الأعمال". الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حَصِينٍ أَنَّ ذَكْوَانَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ لَا أَجِدُهُ قَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ الشرح: قوله: (حدثنا إسحاق) كذا للأكثر غير منسوب، وللأصيلي وابن عساكر " حدثنا إسحاق بن منصور " وأما أبو علي الجياني فقال: لم أره منسوبا لأحد، وهو إما ابن راهويه أو ابن منصور. قوله: (جاء رجل) لم أقف على اسمه. قوله: (قال لا أجده) هو جواب النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: " قال هل تستطيع " كلام مستأنف. ولمسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه بلفظ " قيل: ما يعدل الجهاد؟ قال: لا تستطيعونه: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثة كل ذلك يقول: لا تستطيعونه. وقال في الثالثة: مثل الجهاد في سبيل الله " الحديث. وأخرج الطبراني نحو هذا الحديث من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه وقال في آخره " لم يبلغ العشر من عمله " وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب الذي يليه. قوله: (قال ومن يستطيع ذلك) في رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان " قال لا أستطيع ذلك " وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله تقتضي أن لا يعدل الجهاد شيء من الأعمال، وأما ما تقدم في كتاب العيدين من حديث ابن عباس مرفوعا " ما العمل في أيام أفضل منه في هذه - يعني أيام العشر - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد " فيحتمل أن يكون عموم حديث الباب خص بما دل عليه حديث ابن عباس، ويحتمل أن يكون الفضل الذي في حديث الباب مخصوصا بمن خرج قاصدا المخاطرة بنفسه وماله فأصيب كما في بقية حديث ابن عباس " خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء " فمفهومه أن من رجع بذلك لا ينال الفضيلة المذكورة. لكن يشكل عليه ما وقع في آخر حديث الباب " وتوكل الله للمجاهد إلخ " ويمكن أن يجاب بأن الفضل المذكور أولا خاص بمن لم يرجع، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون لمن يرجع أجر في الجملة كما سيأتي البحث فيه في الذي بعده. وأشد مما تقدم في الإشكال ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا بلى. قال: ذكر الله " فإنه ظاهر في أن الذكر بمجرده أفضل من أبلغ ما يقع للمجاهد وأفضل من الإنفاق مع ما في الجهاد والنفقة من النفع المتعدي. قال عياض: اشتمل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد، لأن الصيام وغيره مما ذكر من فضائل الأعمال قد عدلها كلها الجهاد حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة معادلة لأجر المواظب على الصلاة وغيرها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " لا تستطيع ذلك " وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس وإنما هي إحسان من الله تعالى لمن شاء، واستدل به على أن الجهاد أفضل الأعمال مطلقا لما تقدم تقريره. وقال ابن دقيق العيد: القياس يقتضي أن يكون الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر ودحضه، ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم. قوله: (قال أبو هريرة إن فرس المجاهد ليستن) أي يمرح بنشاط. وقال الجوهري هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا. وقال غيره أن يلج في عدوه مقبلا أو مدبرا. وفي المثل " استنت الفصال حتى القرعي " يضرب لمن يتشبه بمن هو فوقه، وقوله "في طوله " بكسر المهملة وفتح الواو وهو الحبل الذي يشد به الدابة ويمسك طرفه ويرسل في المرعى، وقوله "فيكتب له حسنات " بالنصب على أنه مفعول ثان أي يكتب له الاستنان حسنات، وهذا القدر ذكره أبو حصين عن أبي صالح هكذا موقوفا، وسيأتي بعد بضعة وأربعين بابا في " باب الخيل ثلاثا " من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح مرفوعا " ويأتي بقية الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى. *3* وَقَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الشرح: قوله: (باب أفضل الناس مؤمن مجاهد) في رواية الكشميهني " يجاهد " بلفظ المضارع. قوله: (وقوله يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة) أي تفسير هاتين الآيتين، وقد روى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير " أن هذه الآية لما نزلت قال المسلمون: لو علمنا هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال والأهلين، فنزلت: الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ قَالُوا ثُمَّ مَنْ قَالَ مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ الشرح: قوله: (قيل يا رسول الله) لم أقف على اسمه، وقد تقدم أن أبا ذر سأله عن نحو ذلك. قوله: (أي الناس أفضل) في رواية مالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا، ووصله الترمذي والنسائي وابن حبان من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن عطاء بن يسار عن ابن عباس " خير الناس منزلا " وفي رواية للحاكم " أي الناس أكمل إيمانا " وكأن المراد بالمؤمن من قام بما تعين عليه القيام به ثم حصل هذه الفضيلة، وليس المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الواجبات العينية، وحينئذ فيظهر فضل المجاهد لما فيه من بذل نفسه وماله لله تعالى، ولما فيه من النفع المتعدي، وإنما كان المؤمن المعتزل يتلوه في الفضيلة لأن الذي يخالط الناس لا يسلم من ارتكاب الآثام فقد لا يفي هذا بهذا، وهو مقيد بوقوع الفتن. قوله: (مؤمن في شعب) في رواية مسلم من طريق معمر عن الزهري " رجل معتزل". قوله: (يتقي الله) في رواية مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري " يعبد الله " وفي حديث ابن عباس " معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس " وللترمذي وحسنه والحاكم وصححه من طريق ابن أبي ذئاب عن أبي هريرة " أن رجلا مر بشعب فيه عين عذبة، فأعجبه فقال: لو اعتزلت، ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعل، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما " وفي الحديث فضل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو ونحو ذلك، وأما اعتزال الناس أصلا فقال الجمهور: محل ذلك عند وقوع الفتن كما سيأتي بسطه في كتاب الفتن، ويؤيد ذلك رواية بعجة ابن عبد الله عن أبي هريرة مرفوعا " يأتي على الناس زمان يكون خير الناس فيه منزلة من أخذ بعنان فرسه في سبيل الله يطلب الموت في مظانه، ورجل في شعب من هذه الشعاب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويدع الناس إلا من خير " أخرجه مسلم وابن حبان من طريق أسامة بن زيد الليثي عن بعجة، وهو بموحدة وجيم مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة، قال ابن عبد البر: إنما أوردت هذه الأحاديث بذكر الشعب والجبل لأن ذلك في الأغلب يكون خاليا من الناس، فكل موضع يبعد على الناس فهو بداخل في هذا المعنى. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ الشرح: قوله: (مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله) فيه إشارة إلى اعتبار الإخلاص، وسيأتي بيانه في حديث أبي موسى بعد اثني عشر بابا. قوله: (كمثل الصائم القائم) ، ولمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة " كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام، زاد النسائي من هذا الوجه " الخاشع الراكع الساجد " وفي الموطأ وابن حبان " كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع، ولأحمد والبزار من حديث النعمان بن بشير مرفوعا " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره القائم ليله " وشبه حال الصائم القائم بحال المجاهد في سبيل الله في نيل الثواب في كل حركة وسكون لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة عن العبادة فأجره مستمر، وكذلك المجاهد لا تضيع ساعة من ساعاته بغير ثواب لما تقدم من حديث " أن المجاهد لتستن فرسه فيكتب له حسنات " وأصرح منه قوله تعالى قوله: (وتوكل الله إلخ) تقدم معناه مفردا في كتاب الإيمان من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة وسياقه أتم، ولفظه " انتدب الله"، ولمسلم من هذا الوجه بلفظ " تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي " وفيه التفات وإن فيه انتقالا من ضمير الحضور إلى ضمير الغيبة. وقال ابن مالك: فيه حذف القول والاكتفاء بالمقول، وهو سائغ شائع سواء كان حالا أو غير حال، فمن الحال قوله تعالى قوله: (بأن يتوفاه أن يدخله الجنة) أي بأن يدخله الجنة إن توفاه، في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان " أن توفاه " بالشرطية والفعل الماضي أخرجه الطبراني وهو أوضح. قوله: (أن يدخله الجنة) أي بغير حساب ولا عذاب، أو المراد أن يدخله الجنة ساعة موته، كما ورد " أن أرواح الشهداء تسرح في الجنة " وبهذا التقرير يندفع إيراد من قال: ظاهر الحديث التسوية بين الشهيد والراجع سالما لأن حصول الأجر يستلزم دخول الجنة، ومحصل الجواب أن المراد بدخول الجنة دخول خاص. قوله: (أو يرجعه) بفتح أوله، وهو منصوب بالعطف على يتوفاه. قوله: (مع أجر أو غنيمة) أي مع أجر خالص إن لم يغنم شيئا أو مع غنيمة خالصة معها أجر، وكأنه سكت عن الأجر الثاني الذي مع الغنيمة لنقصه بالنسبة إلى الأجر الذي بلا غنيمة، والحامل على هذا التأويل أن ظاهر الحديث أنه إذا غنم لا يحصل له أجر، وليس ذلك مرادا بل المراد أو غنيمة معها أجر أنقص من أجر من لم يغنم، لأن القواعد تقتضي أنه عند عدم الغنيمة أفضل منه وأتم أجرا عند وجودها، فالحديث صريح في نفي الحرمان وليس صريحا في نفي الجمع. وقال الكرماني: معنى الحديث أن المجاهد إما يستشهد أو لا، والثاني لا ينفك من أجر أو غنيمة ثم إمكان اجتماعهما، فهي قضية مانعة الخلو لا الجمع، وقد قيل في الجواب عن هذا الإشكال: إن أو بمعنى الواو، وبه جزم ابن عبد البر والقرطبي ورجحها التوربشتي، والتقدير بأجر وغنيمة. وقد وقع كذلك في رواية لمسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة رواه كذلك عن يحيى بن يحيى عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد، وقد رواه جعفر الفريابي وجماعة عن يحيى بن يحيى فقالوا: أجر أو غنيمة بصيغة أو، وقد رواه مالك في الموطأ بلفظ " أو غنيمة " ولم يختلف عليه إلا في رواية يحيى بن بكير عنه فوقع فيه بلفظ " وغنيمة " ورواية يحيى بن بكير عن مالك فيها مقال. ووقع عند النسائي من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بالواو أيضا وكذا من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة وكذلك أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة بلفظ: " بما نال من أجر وغنيمة " فإن كانت هذه الروايات محفوظة تعين القول بأن " أو " في هذا الحديث بمعنى الواو كما هو مذهب نحاة الكوفيين، لكن فيه إشكال صعب لأنه يقتضي من حيث المعنى أن يكون الضمان وقع بمجموع الأمرين لكل من رجع، وقد لا يتفق ذلك فإن كثيرا من الغزاة يرجع بغير غنيمة، فما فر منه الذي ادعى أن " أو " بمعنى الواو وقع في نظيره لأنه يلزم على ظاهرها أن من رجع بغنيمة بغير أجر، كما يلزم على أنها بمعنى الواو أن كل غاز يجمع له بين الأجر والغنيمة معا، وقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا " ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم " وهذا يؤيد التأويل الأول وأن الذي يغنم يرجع بأجر لكنه أنقص من أجر من لم يغنم، فتكون الغنيمة في مقابلة جزء من أجر الغزو، فإذا قوبل أجر الغانم بما حصل له من الدنيا وتمتعه بأجر من لم يغنم مع اشتراكهما في التعب والمشقة كان أجر من غنم دون أجر من لم يغنم، وهذا موافق لقول خباب في الحديث الصحيح الآتي " فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا " الحديث. واستشكل بعضهم نقص ثواب المجاهد بأخذه الغنيمة، وهو مخالف لما يدل عليه أكثر الأحاديث، وقد اشتهر تمدح النبي صلى الله عليه وسلم بحل الغنيمة وجعلها من فضائل أمته، فلو كانت تنقص الأجر ما وقع التمدح بها. وأيضا فإن ذلك يستلزم أن يكون أجر أهل بدر أنقص من أجر أهل أحد مثلا مع أن أهل بدر أفضل بالاتفاق. وسبق إلى هذا الإشكال ابن عبد البر، وحكاه عياض وذكر أن بعضهم أجاب عنه بأنه ضعف حديث عبد الله بن عمرو لأنه من رواية حميد بن هانئ وليس بمشهور، وهذا مردود لأنه ثقة يحتج به عند مسلم، وقد وثقه النسائي وابن يونس وغيرهما ولا يعرف فيه تجريح لأحد. ومنهم من حمل نقص الأجر على غنيمة أخذت على غير وجهها، وظهور فساد هذا الوجه يغني عن الإطناب في رده، إذ لو كان الأمر كذلك لم يبق لهم ثلث الأجر ولا أقل منه، ومنهم من حمل نقص الأجر عل من قصد الغنيمة في ابتداء جهاده وحمل تمامه على من قصد الجهاد محضا، وفيه نظر لأن صدر الحديث مصرح بأن المقسم راجع إلى من أخلص لقوله في أوله " لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي". وقال عياض: الوجه عندي إجراء الحديثين على ظاهرهما واستعمالهما على وجههما. ولم يجب عن الإشكال المتعلق بأهل بدر. وقال ابن دقيق العيد: لا تعارض بين الحديثين، بل الحكم فيهما جار على القياس لأن الأجور تتفاوت بحسب زيادة المشقة فيما كان أجره بحسب مشقته، إذ للمشقة دخول في الأجر، وإنما المشكل العمل المتصل بأخذ الغنائم، يعني فلو كانت تنقص الأجر لما كان السلف الصالح يثابرون عليها، فيمكن أن يجاب بأن أخذها من جهة تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض لأن أخذ الغنائم أول ما شرع كان عونا على الدين وقوة لضعفاء المسلمين، وهي مصلحة عظمى يغتفر لها بعض النقص في الأجر من حيث هو. وأما الجواب عمن استشكل ذلك بحال أهل بدر فالذي ينبغي أن يكون التقابل بين كمال الأجر ونقصانه لمن يغزو بنفسه إذا لم يغنم أو يغزو فيغنم، فغايته أن حال أهل بدر مثلا عند عدم الغنيمة أفضل منه عند وجودها ولا ينفي ذلك أن يكون حالهم أفضل من حال غيرهم من جهة أخرى، ولم يرد فيهم نص أنهم لو لم يغنموا كان أجرهم بحاله من غير زيادة، ولا يلزم من كونه مغفورا لهم وأنهم أفضل المجاهدين أن لا يكون وراءهم مرتبة أخرى. وأما الاعتراض بحل الغنائم فغير وارد، إذ لا يلزم من الحل ثبوت وفاء الأجر لكل غاز، والمباح في الأصل لا يستلزم الثواب بنفسه، لكن ثبت أن أخذ الغنيمة واستيلاءها من الكفار يحصل الثواب، ومع ذلك فمع صحة ثبوت الفضل في أخذ الغنيمة وصحة التمدح بأخذها لا يلزم من ذلك أن كل غاز يحصل له من أجر غزاته نظير من لم يغنم شيئا البتة قلت: والذي مثل بأهل بدر أراد التهويل، وإلا فالأمر على ما تقرر آخرا بأنه لا يلزم من كونهم مع أخذ الغنيمة أنقص أجرا مما لو لم يحصل لهم أجر الغنيمة أن يكونوا في حال أخذهم الغنيمة مفضولين بالنسبة إلى من بعدهم كمن شهد أحدا لكونهم لم يغنموا شيئا بل أجر البدري في الأصل أضعاف أجر من بعده، مثال ذلك أن يكون لو فرض أن أجر البدري بغير غنيمة ستمائة وأجر الأحدي مثلا بغير غنيمة مائة فإذا نسبنا ذلك باعتبار حديث عبد الله بن عمرو كان للبدري لكونه أخذ الغنيمة مائتان وهي ثلث الستمائة فيكون أكثر أجرا من الأحدي، وإنما امتاز أهل بدر بذلك لكونها أول غزوة شهدها النبي صلى الله عليه وسلم في قتال الكفار وكان مبدأ اشتهار الإسلام وقوة أهله، فكان لمن شهدها مثل أجر من شهد المغازي التي بعدها جميعا، فصارت لا يوازيها شيء في الفضل والله أعلم. واختار ابن عبد البر أن المراد بنقص أجر من غنم أن الذي لا يغنم يزداد أجره لحزنه على ما فاته من الغنيمة، كما يؤجر من أصيب بما له فكان الأجر لما نقص عن المضاعفة بسبب الغنيمة عند ذلك كالنقص من أصل الأجر، ولا يخفى مباينة هذا التأويل لسياق حديث عبد الله بن عمرو الذي تقدم ذكره. وذكر بعض المتأخرين للتعبير بثلثي الأجر في حديث عبد الله ابن عمرو حكمة لطيفة بالغة وذلك أن الله أعد للمجاهدين ثلاث كرامات: دنيويتان وأخروية، فالدنيويتان السلامة والغنيمة والأخروية دخول الجنة، فإذا رجع سالما غانما فقد حصل له ثلثا ما أعد الله له وبقي له عند الله الثلث، وإن رجع بغير غنيمة عوضه الله عن ذلك ثوابا في مقابلة ما فاته، وكأن معنى الحديث أنه يقال للمجاهد: إذا فات عليك شيء من أمر الدنيا عوضتك عنه ثوابا. وأما الثواب المختص بالجهاد فهو حاصل للفريقين معا، قال: وغاية ما فيه عد ما يتعلق بالنعمتين الدنيويتين أجرا بطريق المجاز والله أعلم. وفي الحديث أن الفضائل لا تدرك دائما بالقياس، بل هي بفضل الله. وفيه استعمال التمثيل في الأحكام، وأن الأعمال الصالحة لا تستلزم الثواب لأعيانها، وإنما تحصل بالنية الخالصة إجمالا وتفصيلا، والله أعلم. *3* وَقَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي بَلَدِ رَسُولِكَ الشرح: قوله: (باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء) قال ابن المنير وغيره: وجه دخول هذه الترجمة في الفقه أن الظاهر من الدعاء بالشهادة يستلزم طلب نصر الكافر على المسلم وإعانة من يعصي الله على من يطيعه، لكن القصد الأصلي إنما هو حصول الدرجة العليا المترتبة على حصول الشهادة، وليس ما ذكره مقصودا لذاته وإنما يقع من ضرورة الوجود، فاغتفر حصول المصلحة العظمى من دفع الكفار وإذلالهم وقهرهم بقصد قتلهم بحصول ما يقع في ضمن ذلك من قتل بعض المسلمين، وجاز تمني الشهادة لما يدل عليه من صدق من وقعت له من إعلاء كلمة الله حتى بذل نفسه في تحصيل ذلك. قوله: (وقال عمر إلخ) تقدم في أواخر الحج بأتم من هذا السياق، وتقدم هناك شرحه وبيان من وصله. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ شَكَّ إِسْحَاقُ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ فَرَكِبَتْ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ الشرح: حديث أنس في قصة أم حرام، والمراد منه قول أم حرام: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، وسيأتي الكلام على استيفاء شرحه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى، وهو ظاهر فيما ترجم له في حق النساء، ويؤخذ منه حكم الرجال بطريق الأولى وأغرب ابن التين فقال: ليس في الحديث تمني الشهادة وإنما فيه تمني الغزو، ويجاب بأن الشهادة هي الثمرة العظمى المطلوبة في الغزو، وأم حرام بفتح المهملتين هي خالة أنس، ولم يختلف على مالك في إسناده، لكن رواه بشر بن عمر عنه فقال " عن أنس عن أم حرام " وهو موافق رواية محمد بن يحيى بن حبان عن أنس التي ستأتي. *3* قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ غُزًّا وَاحِدُهَا غَازٍ هُمْ دَرَجَاتٌ لَهُمْ دَرَجَاتٌ الشرح: قوله: (باب درجات المجاهدين في سبيل الله) أي بيانها، وقوله "يقال هذه سبيلي " أي أن السبيل يذكر ويؤنث وبذلك جزم الفراء فقال في قوله تعالى (ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزوا) الضمير يعود على آيات القرآن وإن شئت جعلته للسبيل لأنها قد تؤنث قال الله تعالى ويحتمل أن يكون قوله تعالى (هذه) إشارة إلى الطريقة أي هذه الطريقة المذكورة هي سبيلي فلا يكون فيه دليل على تأنيث السبيل. قوله: (غزا) بضم المعجمة وتشديد الزاي مع التنوين (واحدها غاز) وقع هذا في رواية المستملي وحده وهو من كلام أبي عبيدة قال: وهو مثل قول وقائل انتهى. قوله: (هم درجات لهم درجات) هو من كلام أبي عبيدة أيضا قال: قوله: (هم درجات) أي منازل ومعناه لهم درجات. وقال غيره: التقدير هم ذوو درجات. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ الشرح: قوله: (عن هلال بن علي) في رواية محمد بن فليح عن أبيه " حدثني هلال". قوله: (عن عطاء بن يسار) كذا لأكثر الرواة عن فليح. وقال أبو عامر العقدي " عن فليح عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي عمرة " بدل عطاء بن يسار أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه، وهو وهم من فليح في حال تحديثه لأبي عامر، وعند فليح بهذا الإسناد حديث غير هذا سيأتي في الباب الذي بعد هذا لعله انتقل ذهنه من حديث إلى حديث، وقد نبه يونس بن محمد في روايته عن فليح على أنه كان ربما شك فيه، فأخرج أحمد عن يونس عن فليح عن هلال عن عبد الرحمن بن أبي عمرة وعطاء بن يسار عن أبي هريرة فذكر هذا الحديث، قال فليح: ولا أعلمه إلا ابن أبي عمرة، قال يونس: ثم حدثنا به فليح فقال عطاء ابن يسار ولم يشك انتهى. وكأنه رجع إلى الصواب فيه. ولم يقف ابن حبان على هذه العلة فأخرجه من طريق أبي عامر، والله الهادي إلى الصواب. وقد وافق فليحا على روايته إياه عن هلال عن عطاء عن أبي هريرة محمد بن جحادة عن عطاء أخرجه الترمذي من روايته مختصرا، ورواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار فاختلف عليه: فقال هشام بن سعد وحفص بن ميسرة والدراوردي عنه عن عطاء عن معاذ بن جبل أخرجه الترمذي وابن ماجه. وقال همام عن زيد عن عطاء عن عبادة بن الصامت أخرجه الترمذي والحاكم ورجح رواية الدراوردي ومن تابعه على رواية همام، ولم يتعرض لرواية هلال مع أن بين عطاء بن يسار ومعاذ انقطاعا. قوله: (وصام رمضان إلخ) قال ابن بطال لم يذكر الزكاة والحج لكونه لم يكن فرض. قلت: بل سقط ذكره على أحد الرواة، فقد ثبت الحج في الترمذي في حديث معاذ بن جبل وقال فيه " لا أدري أذكر الزكاة أم لا"، وأيضا فإن الحديث لم يذكر لبيان الأركان فكان الاقتصار على ما ذكر إن كان محفوظا لأنه هو المتكرر غالبا، وأما الزكاة فلا تجب إلا على من له مال بشرطه، والحج فلا يجب إلا مرة على التراخي. قوله: (أو جلس في بيته) فيه تأنيس لمن حرم الجهاد وأنه ليس محروما من الأجر، بل له من الإيمان والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة وإن قصر عن درجة المجاهدين. قوله: (فقالوا يا رسول الله) الذي خاطبه بذلك هو معاذ بن جبل كما في رواية الترمذي، أو أبو الدرداء كما وقع عند الطبراني، وأصله في النسائي لكن قال فيه " فقلنا". قوله: (إن في الجنة مائة درجة) قال الطيبي: هذا الجواب من أسلوب الحكيم، أي بشرهم بدخولهم الجنة بما ذكر من الأعمال ولا تكتف بذلك بل بشرهم بالدرجات، ولا تقتنع بذلك بل بشرهم بالفردوس الذي هو أعلاها. قلت: لو لم يرد الحديث إلا كما وقع هنا لكان ما قال متجها، لكن وردت في الحديث زيادة دلت على أن قوله " في الجنة مائة درجة " تعليل لترك البشارة المذكورة، فعند الترمذي من رواية معاذ المذكورة " قلت يا رسول الله ألا أخبر الناس؟ قال ذر الناس يعلمون، فإن في الجنة مائة درجة " فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد، وهذه هي النكتة في قوله " أعدها الله للمجاهدين " وإذا تقرر هذا كان فيه تعقب أيضا على قول بعض شراح المصابيح: سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين الجهاد في سبيل الله وبين عدمه وهو الجلوس في الأرض التي ولد المرء فيها، ووجه التعقب أن التسوية ليست كل عمومها وإنما هي في أصل دخول الجنة لا في تفاوت الدرجات كما قررته، والله أعلم. وليس في هذا السياق ما ينفي أن يكون في الجنة درجات أخرى أعدت لغير المجاهدين دون درجة المجاهدين. قوله: (كما بين السماء والأرض) في رواية محمد بن جحادة عند الترمذي " ما بين كل درجتين مائة عام " وللطبراني من هذا الوجه " خمسمائة عام " فإن كانتا محفوظتين كان اختلاف العدد بالنسبة إلى اختلاف السير، زاد الترمذي من حديث أبي سعيد " لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم". قوله: (أوسط الجنة وأعلى الجنة) المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى وقال الطيبي: المراد بأحدها العلو الحسي وبالآخر العلو المعنوي. وقال ابن حبان: المراد بالأوسط السعة، وبالأعلى الفوقية. قوله: (أراه) بضم الهمزة، وهو شك من يحيى بن صالح شيخ البخاري فيه، وقد رواه غيره عن فليح فلم يشك منهم يونس بن محمد عند الإسماعيلي وغيره. قوله: (ومنه تفجر أنهار الجنة) أي من الفردوس، ووهم من زعم أن الضمير للعرش، فقد وقع في حديث عبادة بن الصامت عند الترمذي " والفردوس أعلاها درجة ومنها - أي من الدرجة التي فيها الفردوس - تفجر أنهار الجنة الأربعة ومن فوقها يكون عرش الرحمن " وروى إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق شيبان عن قتادة عنه قال " الفردوس أوسط الجنة وأفضلها " وهو يؤيد التفسير الأول. قوله: (قال محمد بن فليح عن أبيه وفوقه عرش الرحمن) يعني أن محمدا روى هذا الحديث عن أبيه بإسناده هذا فلم يشك كما شك يحيى بن صالح بل جزم عنه بقوله " وفوقه عرش الرحمن " قال أبو علي الجياني: وقع في رواية أبي الحسن القابسي " حدثنا محمد بن فليح " وهو وهم لأن البخاري لم يدركه. قلت: وقد أخرج البخاري رواية محمد بن فليح لهذا الحديث في كتاب التوحيد عن إبراهيم بن المنذر عنه بتمامه، ويأتي بقية شرحه هناك ورجال إسناده كلهم مدنيون. والفردوس هو البستان الذي يجمع كل شيء، وقيل هو الذي فيه العنب، وقيل هو بالرومية وقيل بالقبطية وقيل بالسريانية وبه جزم أبو إسحاق الزجاج، وفي الحديث فضيلة ظاهرة للمجاهدين، وفيه عظم الجنة وعظم الفردوس منها، وفيه إشارة إلى أن درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد إما بالنية الخالصة أو بما يوازيه من الأعمال الصالحة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء بالفردوس بعد أن أعلمهم أنه أعد للمجاهدين، وقيل فيه جواز الدعاء بما لا يحصل للداعي لما ذكرته، والأول أولى والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا قَالَا أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ الشرح: قوله: (حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل وجرير هو ابن حازم، وحديث سمرة تقدم بطوله في الجنائز، وهذه القطعة شاهدة لحديث أبي هريرة المذكور قبله ومفسرة، لأن المراد بالأوسط الأفضل لوصفه دار الشهداء في حديث سمرة بأنها أحسن وأفضل. *3* الشرح: قوله: (باب الغدوة والروحة في سبيل الله) أي فضلها، والغدوة بالفتح المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه، والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها. قوله: (في سبيل الله) أي الجهاد. قوله: (وقاب قوس أحدكم) أي قدره، والقاب بتخفيف القاف وآخره موحدة معناه القدر، وكذلك القيد بكسر القاف بعدها تحتانية ساكنة ثم دال وبالموحدة بدل الدال، وقيل القاب ما بين مقبض القوس وسيته، وقيل ما بين الوتر والقوس، وقيل المراد بالقوس هنا الذراع الذي يقاس به، وكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة. الحديث: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا الشرح: قوله: (عن أنس) في رواية أبي إسحاق عن حميد " سمعت أنس بن مالك " وهو في الباب الذي يليه، والإسناد كله بصريون. قوله: (لغدوة) في رواية الكشميهني الغدوة بزيادة ألف في أوله بصيغة التعريف والأول أشهر واللام للقسم. قوله: (خير من الدنيا وما فيها) قال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع فلذلك وقعت المفاضلة بها، وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة. والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى. قلت: ويؤيد هذا الثاني ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم عبد الله بن رواحة، فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد، وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أمر أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف بمن حصل منها أعلى الدرجات، والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا فنبه هذا المتأخر أن هذا القدر اليسير من الجنة أفضل من جميع ما في الدنيا. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقَابُ قَوْسٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ وَقَالَ لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ الشرح: قوله: (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) هو الأنصاري، والإسناد كله مدنيون. قوله: (لقاب قوس في الجنة) في حديث أنس في الباب الذي يليه " لقاب قوس أحدكم " وهو المطابق لترجمة هذا الباب. قوله: (خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب) هو المراد بقوله في الذي قبله " خير من الدنيا وما فيها". الحديث: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا الشرح: قوله: (حدثنا سفيان) هو الثوري. قوله: (عن أبي حازم) هو ابن دينار. قوله: (الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل) في رواية مسلم من طريق وكيع عن سفيان " غدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا " والمعنى واحد، وفي الطبراني من طريق أبي غسان عن أبي حازم " لروحة " بزيادة لام القسم.
|