الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الشرح: قوله: (حديث الغار) عقب المصنف قصة أصحاب الكهف بحديث الغار إشارة إلى ما ورد أنه قد قيل: إن الرقيم المذكور في قوله تعالى: الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ فَقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَسُقْهَا فَقَالَ لِي إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ فَقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ فَسَاقَهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ فَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنْ الْجُوعِ فَكُنْتُ لَا أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا فَقَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا الشرح: قوله: (بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم) لم أقف على اسم واحد منهم، وفي حديث عقبة بن عامر عند الطبراني في الدعاء أن ثلاثة نفر من بني إسرائيل. قوله: (يمشون) في حديث عقبة وكذا في حديث أبي هريرة عند ابن حبان والبزار أنهم خرجوا يرتادون لأهليهم. قوله: (فأووا إلى غار) يجوز قصر ألف " أووا " ومدها. وفي حديث أنس عند أحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني " فدخلوا غارا فسقط عليهم حجر متجاف حتى ما يرون منه خصاصه " وفي رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه " حتى أووا المبيت إلى غار " كذا للمصنف، ولمسلم من هذا الوجه " حتى أواهم المبيت " وهو أشهر في الاستعمال، والمبيت في هذه الرواية منصوب على المفعولية، وتوجيهه أن دخول الغار من فعلهم فحسن أن ينسب الإيواء إليهم. قوله: (فانطبق عليهم) أي باب الغار. وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع في المزارعة فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم ويأتي في الأدب بلفظ " فانطبقت عليهم " وفيه حذف المفعول والتقدير نفسها أو المنفذ، ويؤيده أن في رواية سالم " فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، زاد الطبراني في حديث النعمان بن بشير من وجه آخر " إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سد فم الغار". قوله: (فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه) في رواية موسى بن عقبة المذكورة " انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله " ومثله لمسلم. وفي رواية الكشميهني " خالصة ادعوا الله بها " ومن طريقه في البيوع " ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه " وفي رواية سالم " إنه لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم " وفي حديث أبي هريرة وأنس جميعا " فقال بعضهم لبعض عفا الأثر ووقع الحجر ولا يعلم بمكانكم إلا الله، ادعوا الله بأوثق أعمالكم " وفي حديث علي عند البزار " تفكروا في أحسن أعمالكم فادعوا الله بها لعل الله يفرج عنكم". وفي حديث النعمان بن بشير " إنكم لن تجدوا شيئا خيرا من أن يدعو كل امرئ منكم بخير عمل عمله قط". قوله: (فقال: اللهم إن كنت تعلم) كذا لأبي ذر والنسفي وأبي الوقت لم يذكر القائل، وللباقين " فقال واحد منهم". قوله: (اللهم إن كنت تعلم) فيه إشكال لأن المؤمن يعلم قطعا أن الله يعلم ذلك، وأجيب بأنه تردد في عمله ذلك هل له اعتبار عند الله أم لا، وكأنه قال: إن كان عملي ذلك مقبولا فأجب دعائي، وبهذا التقرير يظهر أن قوله " اللهم " على بابها في النداء، وقد تردد بمعنى تحقق الجواب كمن سأل آخر عن شيء كأن يقول رأيت زيدا فيقول اللهم نعم، وقد ترد أيضا لندرة المستثنى كأن يقول شيئا ثم يستثني منه فيقول اللهم إلا إن كان كذا. قوله: (على فرق) بفتح الفاء والراء بعدها قاف وقد تسكن الراء. وهو مكيال يسع ثلاثة آصع قوله: (من أرز) فيه ست لغات فتح الألف وضمها مع ضم الراء وبضم الألف مع سكون الراء وتشديد الزاي وتخفيفها، وقد تقدم في المزارعة أنه فرق ذرة، وتقدم هناك بيان الجمع بين الروايتين، ويحتمل أنه استأجر أكثر من واحد، وكان بعضهم بفرق ذرة وبعضهم بفرق أرز. ويؤيد ذلك أنه وقع في رواية سالم " استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب " وفي حديث النعمان بن بشير نحوه كما سأذكره، ووقع في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند الطبراني في الدعاء " استأجرت قوما كل واحد منهم بنصف درهم، فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم، فقال أحدهم: والله لقد عملت عمل اثنين، والله لا آخذ إلا درهما، فذهب وتركه، فبذرت من ذلك النصف درهم إلخ " ويجمع بينهما بأن الفرق المذكور كانت قيمته نصف درهم إذ ذاك. قوله: (فذهب وتركه) في رواية موسى بن عقبة " فأعطيته فأبى ذاك أن يأخذ " وفي روايته في المزارعة " فلما قضى عمله قال: أعطني حقي، فعرضت عليه حقه فرغب عنه " وفي حديث أبي هريرة " فعمل لي نصف النهار فأعطيته أجرا فسخطه ولم يأخذه " ووقع في حديث النعمان بن بشير بيان السبب في ترك الرجل أجرته ولفظه " كان لي أجراء يعملون فجاءني عمال فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم، فجاء رجل ذات يوم نصف النهار فاستأجرته بشرط أصحابه فعمل في نصف نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله فرأيت علي في الذمام أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله، فقال رجل منهم تعطي هذا مثل ما أعطيتني؟ فقلت يا عبد الله لم أبخسك شيئا من شرطك، وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت، قال فغضب وذهب وترك أجره " وأما ما وقع في حديث أنس " فأتاني يطلب أجره وأنا غضبان فزبرته فانطلق وترك أجره " فلا ينافي ذلك، وطريق الجمع أن الأجير لما حسد الذي عمل نصف النهار وعاتب المستأجر غضب منه وقال له: لم أبخسك شيئا إلخ وزبره فغضب الأجير وذهب، ووقع في حديث علي " وترك واحد منهم أجره وزعم أن أجره أكثر من أجور أصحابه". قوله: (وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت) وفي رواية الكشميهني " أن اشتريت " (منه بقرا وأنه أتاني يطلب أجره فقلت له أعمد إلى تلك البقر فسقها) وفي رواية موسى بن عقبة " فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها " وفيه فقال: " أتستهزئ بي؟ فقلت: لا " وفي رواية أبي ضمرة " فأخذها " وفي رواية سالم " فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال " وفيه " فقلت له كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق من أجرك " وفي رواية الكشميهني " من أجلك " وفيه " فاستاقه فلم يترك منه شيئا " ودلت هذه الرواية على أن قوله في رواية نافع " اشتريت بقرا " أنه لم يرد أنه لم يشتر غيرها وإنما كان الأكثر الأغلب البقر فلذلك اقتصر عليها، وفي حديث أنس وأبي هريرة جميعا " فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال " وقال فيه: " فأعطيته ذلك كله، ولو شئت لم أعطه إلا الأجر الأول " ووقع في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنه دفع إليه عشرة آلاف درهم، وهو محمول على أنها كانت قيمة الأشياء المذكورة، وفي حديث النعمان بن بشير " فبذرته على حدة فأضعف، ثم بذرته فأضعف، حتى كثر الطعام " وفيه: " فقال أتظلمني وتسخر بي " وفي رواية له " ثم مرت بي بقر فاشتريت منها فصيلة فبلغت ما شاء الله " والجمع بينهما ممكن بأن يكون زرع أولا ثم اشترى من بعضه بقرة ثم نتجت. قوله: (فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك) وفي رواية موسى بن عقبة: " ابتغاء وجهك " وكذا في رواية سالم، والجمع بينهما ممكن، وقد وقع في حديث علي عند الطبراني " من مخافتك وابتغاء مرضاتك " وفي حديث النعمان " رجاء رحمتك ومخافة عذابك". قوله: (ففرج عنا) في رواية موسى بن عقبة " فافرج " بوصل وضم الراء من الثلاثي، وضبطه بعضهم بهمزة وكسر الراء من الرباعي وزاد في روايته " فأفرج عنا فرجة نرى منها السماء " وفيه تقييد لإطلاق قوله في رواية سالم " ففرج عنا ما نحن فيه " وقوله: " قال ففرج عنهم " وفي رواية أبي ضمرة " ففرج الله فرأوا السماء " ولمسلم من هذا الوجه " ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء". قوله: (فانساخت عنهم الصخرة) أي انشقت، وأنكره الخطابي لأن معنى انساخ بالمعجمة غاب في الأرض، ويقال انصاخ بالصاد المهملة بدل السين أي انشق من قبل نفسه، قال: والصواب انساحت بالحاء المهملة أي اتسعت ومنه ساحة الدار، قال وانصاح بالصاد المهملة بدل السين أي تصدع، يقال ذلك للبرق. قلت: الرواية بالخاء المعجمة صحيحة وهي بمعنى انشقت، وإن كان أصله بالصاد فالصاد قد تقلب سينا ولا سيما مع الخاء المعجمة كالصخر والسخر. ووقع في حديث سالم " فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج " وفي حديث النعمان بن بشير " فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء " وفي حديث علي " فانصدع الجبل حتى طمعوا في الخروج ولم يستطيعوا " وفي حديث أبي هريرة وأنس فزال ثلث الحجر. قوله: (فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي) كذا للأكثر، ولأبي ذر بحذف " أنه". قوله: (أبوان) هو من التغليب والمراد الأب والأم، وصرح بذلك في حديث ابن أبي أوفى. قوله: (شيخان كبيران) زاد في رواية أبي ضمرة عن موسى " ولي صبية صغار فكنت أرعى عليهم " وفي حديث علي " أبوان ضعيفان فقيران ليس لهما خادم ولا راع ولا ولي غيري فكنت أرعى لهما بالنهار وآوي إليهما بالليل". قوله: (فأبطأت عنهما ليلة) وفي رواية سالم " فنأى بي طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما " وقد تقدم شرح قوله: " نأى " و " الشيء " لم يفسر ما هو في هذه الرواية، وقد بين في رواية مسلم من طريق أبي ضمرة ولفظه " وإني نأى بي ذات يوم الشجر " والمراد أنه استطرد مع غنمه في الرعي إلى أن بعد عن مكانه زيادة على العادة فلذلك أبطأ، وفي حديث علي " فإن الكلأ تنادي علي " أي تباعد، والكلأ المرعى. قوله: (وأهلي وعيالي) قال الداودي: يريد بذلك الزوجة والأولاد والرقيق والدواب، وتعقبه ابن التين بأن الدواب لا معنى لها هنا. قلت: إنما قال الداودي ذلك في رواية سالم " وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا " وهو متجه فإنه إذا كان لا يقدم عليهما أولاده فكذلك لا يقدم عليهما دوابه من باب الأولى. قوله: (يتضاغون) بالمعجمتين والضغاء بالمد الصياح ببكاء، وقوله: " من الجوع " أي بسبب الجوع، وفيه رد على من قال لعل الصياح كان بسبب غير الجوع. وفي رواية موسى بن عقبة " والصبية يتضاغون". قوله: (وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما) أما كراهته لإيقاظهما فظاهر لأن الإنسان يكره أن يوقظ من نومه، ووقع في حديث علي " ثم جلست عند رءوسهما بإنائي كراهية أن أزرقهما أو أوذيهما " وفي حديث أنس " كراهية أن أرد وسنهما " وفي حديث ابن أبي أوفى " وكرهت أن أوقظهما من نومهما فيشق ذلك عليهما " وأما كراهته أن يدعهما فقد فسره بقوله: " فيستكنا لشربتهما " أي يضعفا لأنه عشاؤهما وترك العشاء يهرم، وقوله: " يستكنا " من الاستكانة، وقوله: " لشربتهما " أي لعدم شربتهما فيصيران ضعيفين مسكينين والمسكين الذي لا شيء له. قوله: (من أحب الناس إلي) هو مقيد لإطلاق رواية سالم حيث قال فيها: " كانت أحب الناس إلي " وفي رواية موسى بن عقبة كأشد ما يحب الرجل النساء، والكاف زائدة، أو أراد تشبيه محبته بأشد المحبات. قوله: (راودتها عن نفسها) أي بسبب نفسها أو من جهة نفسها. وفي رواية سالم " فأردتها على نفسها " أي ليستعلي عليها. قوله: (فأبت) في رواية موسى بن عقبة " فقالت لا ينال ذلك منها حتى". قوله: (إلا أن آتيها بمائة دينار) وفي رواية سالم " فأعطيتها عشرين ومائة دينار " ويحمل على أنها طلبت منه المائة فزادها هو من قبل نفسه عشرين، أو ألغى غير سالم الكسر، ووقع في حديث النعمان وعقبة بن عامر " مائة دينار " وأبهم ذلك في حديث علي وأنس وأبي هريرة. وقال في حديث ابن أبي أوفى " مالا ضخما". قوله: (فلما قعدت بين رجليها) في رواية سالم " حتى إذا قدرت عليها " زاد في حديث ابن أبي أوفى " وجلست منها مجلس الرجل من المرأة " وفي حديث النعمان بن بشير " فلما كشفتها " وبين في رواية سالم سبب إجابتها بعد امتناعها فقال: " فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة - أي سنة قحط - فجاءتني فأعطيتها " ويجمع بينه وبين رواية نافع بأنها امتنعت أولا عفة ودافعت بطلب المال فلما احتاجت أجابت. قوله: (ولا تفض) بالفاء والمعجمة أي لا تكسر، والخاتم كناية عن عذرتها، وكأنها كانت بكرا وكنت عن الإفضاء بالكسر، وعن الفرج بالخاتم لأن في حديث النعمان ما يدل على أنها لم تكن بكرا، ووقع في رواية أبي ضمرة " ولا تفتح الخاتم " والألف واللام بدل من الضمر أي خاتمي، ووقع كذلك في حديث أبي العالية عن أبي هريرة عند الطبراني في الدعاء بلفظ " إنه لا يحل لك أن تفض خاتمي إلا بحقه " وقولها " بحقه " أرادت به الحلال، أي لا أحل لك أن تقربني إلا بتزويج صحيح، ووقع في حديث علي " فقالت أذكرك الله أن تركب مني ما حرم الله عليك قال: فقلت أنا أحق أن أخاف ربي " وفي حديث النعمان بن بشير فلما أمكنتني من نفسها بكت، فقلت ما يبكيك؟ قالت: فعلت هذا من الحاجة، فقلت انطلقي " وفي رواية أخرى عن النعمان أنها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب منه شيئا من معروفه ويأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها، فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها وقال لها أغني عيالك، قال: فرجعت فناشدتني بالله فأبيت عليها، فأسلمت إلي نفسها، فلما كشفتها ارتعدت من تحتي، فقلت ما لك؟ قالت أخاف الله رب العالمين، فقلت خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها، وفي حديث ابن أبي أوفى " فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار فقمت عنها " والجمع بين هذه الروايات ممكن، والحديث يفسر بعضه بعضا. وفي هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب، والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل، واستنجاز وعده بسؤاله. واستنبط منه بعض الفقهاء استحباب ذكر ذلك في الاستسقاء، واستشكله المحب الطبري لما فيه من رؤية العمل، والاحتقار عند السؤال في الاستسقاء أولى لأنه مقام التضرع، وأجاب عن قصة أصحاب الغار بأنهم لم يستشفعوا بأعمالهم وإنما سألوا الله إن كانت أعمالهم خالصة وقبلت أن يجعل جزاءها الفرج عنهم، فتضمن جوابه تسليم السؤال لكن بهذا القيد وهو حسن، وقد تعرض النووي لهذا فقال في كتاب الأذكار " باب دعاء الإنسان وتوسله بصالح عمله إلى الله " وذكر هذا الحديث، ونقل عن القاضي حسين وغيره استحباب ذلك في الاستسقاء ثم قال: وقد يقال إن فيه نوعا من ترك الافتقار المطلق، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم بفعلهم فدل على تصويب فعلهم. وقال السبكي الكبير: ظهر لي أن الضرورة قد تلجئ إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا وأن هذا منه، ثم ظهر لي أنه ليس في الحديث رؤية عمل بالكلتة لقول كل منهم " إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك " فلم يعتقد أحد منهم في عمله الإخلاص بل أحال أمره إلى الله، فإذا لم يجزموا بالإخلاص فيه مع كونه أحسن أعمالهم فغيره أولى، فيستفاد منه أن الذي يصلح في مثل هذا أن يعتقد الشخص تقصيره في نفسه ويسيء الظن بها ويبحث على كل واحد من عمله يظن أنه أخلص فيه فيفوض أمره إلى الله ويعلق الدعاء على علم الله به، فحينئذ يكون إذا دعا راجيا للإجابة خائفا من الرد فإن لم يغلب على ظنه إخلاصه ولو في عمل واحد فليقف عند حده ويستحي أن يسأل بعمل ليس بخالص، قال وإنما قالوا: " ادعوا الله بصالح أعمالكم " في أول الأمر ثم عند الدعاء لم يطلقوا ذلك ولا قال واحد منهم أدعوك بعملي، وإنما قال: " إن كنت تعلم، ثم ذكر عمله انتهى ملخصا. وكأنه لم يقف على كلام المحب الطبري الذي ذكرته فهو السابق إلى التنبيه على ما ذكره، والله أعلم. وفيه فضل الإخلاص في العمل، وفضل بر الوالدين وخدمتهما وإيثارهما على الولد والأهل وتحمل المشقة لأجلهما. وقد استشكل تركه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما مع قدرته على تسكين جوعهم فقيل: كان في شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم، وقيل: يحتمل أن بكاءهم ليس عن الجوع، وقد تقدم ما يرده. وقيل: لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سد الرمق وهذا أولى. وفيه فضل العفة والانكفاف عن الحرام مع القدرة، وأن ترك المعصية يمحو مقدمات طلبها، وأن التوبة تجب ما قبلها. وفيه جواز الإجارة بالطعام المعلوم بين المتآجرين، وفضل أداء الأمانة، وإثبات الكرامة للصالحين. واستدل به على جواز بيع الفضولي، وقد تقدم البحث فيه في البيوع. وفيه أن المستودع إذا اتجر في مال الوديعة كان الربح لصاحب الوديعة. قاله أحمد. وقال الخطابي: خالفه الأكثر فقالوا: إذا ترتب المال في ذمة الوديع وكذا المضارب كأن تصرف فيه بغير ما أذن له فيلزم ذمته أنه إن اتجر فيه كان الربح له. وعن أبي حنيفة الغرامة عليه، وأما الربح فهو له لكن يتصدق به. وفصل الشافعي فقال: إن اشترى في ذمته ثم نقد الثمن من مال الغير فالعقد له والربح له، وإن اشترى بالعين فالربح للمالك، وقد تقدم نقل الخلاف فيه في البيوع أيضا. وفيه الإخبار عما جرى للأمم الماضية ليعتبر السامعون بأعمالهم فيعمل بحسنها ويترك قبيحها، والله أعلم. (تنبيه) : لم يخرج الشيخان هذا الحديث إلا من رواية ابن عمر، وجاء بإسناد صحيح عن أنس أخرجه الطبراني في الدعاء من وجه آخر حسن، وبإسناد حسن عن أبي هريرة، وهو في صحيح ابن حبان. وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن أبي هريرة وعن النعمان بن بشير من ثلاثة أوجه حسان أحدها عند أحمد والبزار وكلها عند الطبراني، وعن علي وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي أوفى بأسانيد ضعيفة، وقد استوعب طرقه أبو عوانة في صحيحه والطبراني في الدعاء، واتفقت الروايات كلها على أن القصص الثلاثة في الأجير والمرأة والأبوين إلا حديث عقبة بن عامر ففيه بدل الأجير أن الثالث قال: " كنت في غنم أرعاها فحضرت الصلاة فقمت أصلي فجاء الذئب فدخل الغنم فكرهت أن أقطع صلاتي فصبرت حتى فرغت " فلو كان إسناده قويا لحمل على تعدد القصة، ووقع في رواية الباب من طريق عبيد الله العمري عن نافع تقديم الأجير ثم الأبوين ثم المرأة، وخالفه موسى بن عقبة من الوجهين فقدم الأبوين ثم المرأة ثم الأجير، ووافقته رواية سالم، وفي حديث أبي هريرة المرأة ثم الأبوين ثم الأجير، وفي حديث أنس الأبوين ثم الأجير ثم المرأة، وفي حديث النعمان الأجير ثم المرأة ثم الأبوين، وفي حديث علي وابن أبي أوفى معا المرأة ثم الأجير ثم الأبوين وفي اختلافهم دلالة على أن الرواية بالمعنى عندهم سائغة شائعة، وأن لا أثر للتقديم والتأخير في مثل ذلك، وأرجحها في نظري رواية موسى بن عقبة لموافقة سالم لها فهي أصح طرق هذا الحديث وهذا من حيث الإسناد، وأما من حيث المعنى فينظر أي الثلاثة كان أنفع لأصحابه، والذي يظهر أنه الثالث لأنه هو الذي أمكنهم أن يخرجوا بدعائه، وإلا فالأول أفاد إخراجهم من الظلمة، والثاني أفاد الزيادة في ذلك وإمكان التوسل إلى الخروج بأن يمر مثلا هناك من يعالج لهم، والثالث هو الذي تهيأ لهم الخروج بسببه فهو أنفعهم لهم فينبغي أن يكون عمل الثالث أكثر فضلا من عمل الأخيرين. ويظهر ذلك من الأعمال الثلاثة: فصاحب الأبوين فضيلته مقصورة على نفسه لأنه أفاد أنه كان بارا بأبويه، وصاحب الأجير نفعه متعد وأفاد بأنه كان عظيم الأمانة، وصاحب المرأة أفضلهم لأنه أفاد أنه كان في قلبه خشية ربه، قد شهد الله لمن كان كذلك بأن له الجنة حيث قال: وقد جاءت قصة المرأة أيضا أخيرة في حديث أنس. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهِيَ تُرْضِعُهُ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فَقَالَ أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا تَزْنِي وَتَقُولُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَيَقُولُونَ تَسْرِقُ وَتَقُولُ حَسْبِيَ اللَّهُ الشرح: حديث أبي هريرة في قصة المرأة التي كانت ترضع ولدها فتكلم، وقد تقدم شرحه في قصة عيسى ابن مريم. وعبد المذكور في الإسناد هو الأعرج. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ الشرح: حديث أبي هريرة في قصة المرأة التي سقت الكلب. قوله: (يطيف) بضم أوله من أطاف يقال أطفت بالشيء إذا أدمت المرور حوله. قوله: (بركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتانية: البئر مطوية أو غير مطوية، وغير المطوية يقال لها جب وقليب ولا يقال لها بئر حتى تطوى، وقيل الركي البئر قبل أن تطوى فإذا طويت فهي الطوى. قوله: (بغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة هي الزانية، وتطلق على الأمة مطلقا. قوله: (موقها) بضم الميم وسكون الواو بعدها قاف هو الخف، وقيل ما يلبس فوق الخف. قوله: (فغفر لها) زاد الكشميهني " به " وقد تقدم الكلام على هذا الحديث مشروحا في كتاب الشرب، لكن وقع هناك وفي الطهارة أن الذي سقى الكلب رجل، وأنه سقاه في خفه، ويحتمل تعدد القصة. وقدمت بقية الكلام في كتاب الشرب، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ الشرح: حديث معاوية: قوله: (عام حج) في رواية سعيد بن المسيب الآتية آخر الباب " آخر قدمة قدمها " قلت: وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين وهي آخر حجة حجها في خلافته. قوله: (فتناول قصة) بضم القاف وتشديد المهملة هي شعر الناصية، والحرسي منسوب إلى الحرس وهو واحد الحراس. قوله: (أين علماؤكم) فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم كانوا قد قلوا، وهو كذلك لأن غالب الصحابة كانوا يومئذ قد ماتوا، وكأنه رأى جهال عوامهم صنعوا ذلك فأراد أن يذكر علماءهم وينبههم بما تركوه من إنكار ذلك، ويحتمل أن يكون ترك من بقي من الصحابة ومن أكابر التابعين إذ ذاك الإنكار إما لاعتقاد عدم التحريم ممن بلغه الخبر فحمله على كراهة التنزيه، أو كان يخشى من سطوة الأمراء في ذلك الزمان على من يستبد بالإنكار لئلا ينسب إلى الاعتراض على أولي الأمر، أو كانوا ممن لم يبلغهم الخبر أصلا، أو بلغ بعضهم لكن لم يتذكروه حتى ذكرهم به معاوية، فكل هذه أعذار ممكنة لمن كان موجودا إذ ذاك من العلماء، وأما من حضر خطبة معاوية وخاطبهم بقوله أين علماؤكم، فلعل ذلك كان في خطبة غير الجمعة ولم يتفق أن يحضره إلا من ليس من أهل العلم فقال أين علماؤكم، لأن الخطاب بالإنكار لا يتوجه إلا على من علم الحكم وأقره. قوله: (ويقول) هو معطوف على " ينهى " وفاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم) فيه إشعار بأن ذلك كان حراما عليهم، فلما فعلوه كان سببا لهلاكهم، مع ما انضم إلى ذلك من ارتكابهم ما ارتكبوه من المناهي، وسيأتي شرح ذلك مبسوطا في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الشرح: حديث أبي هريرة: قوله: (عن أبيه) هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. قوله: (عن أبي هريرة) هذا هو المشهور عن إبراهيم بن سعد، وقيل عنه عن أبيه عن أبي سلمة عن عائشة كما سيأتي. قوله: (إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون) بفتح الدال المهملة، وسيأتي شرحه مستوفى في مناقب عمر، فإن فيه أنهم كانوا من بني إسرائيل. قوله: (وإنه كان في أمتي هذه منهم) في رواية أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد " وإنه إن كان في أمتي أحد منهم". قوله: (فإنه عمر بن الخطاب) كذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التوقع، وكأنه لم يكن اطلع على أن ذلك كائن، وقد وقع بحمد الله ما توقعه النبي صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه، ووقع من ذلك لغيره ما لا يحصى ذكره. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ لَا فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ الشرح: حديث أبي سعيد: قوله: (عن أبي الصديق الناجي) في رواية مسلم من طريق معاذ عن شعبة عن قتادة أنه سمع أبا الصديق الناجي، واسم أبي الصديق - وهو بكسر الصاد المهملة وتشديد الدال المكسورة - بكر، واسم أبيه عمرو وقيل قيس، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث. قوله: (كان في بني إسرائيل رجل) لم أقف على اسمه ولا على اسم أحد من الرجال ممن ذكر في القصة، زاد مسلم من طريق هشام عن قتادة عند مسلم " فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب". قوله: (فأتى راهبا) فيه إشعار بأن ذلك كان بعد رفع عيسى عليه السلام، لأن الرهبانية إنما ابتدعها أتباعه كما نص عليه في القرآن. قوله: (فقال: له توبة؟) بحذف أداة الاستفهام، وفيه تجريد أو التفات، لأن حق السياق أن يقول: ألي توبة؟ ووقع في رواية هشام " فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة " وزاد " ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم وقال فيه ومن يحول بينه وبين التوبة". قوله: (فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا) زاد في رواية هشام " فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه ملك الموت، ووقعت لي تسمية القريتين المذكورتين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا في " المعجم الكبير للطبراني " قال فيه إن اسم الصالحة نصرة واسم القرية الأخرى كفرة. قوله: (فناء) بنون ومد أي بعد، أو المعنى مال أو نهض مع تثاقل، فعلى هذا فالمعنى فمال إلى الأرض التي طلبها، هذا هو المعروف في هذا الحديث، وحكى بعضهم فيه فنأى بغير مد قبل الهمز، وبإشباعها بوزن سعى تقول نأى ينأي نأيا بعد، وعلى هذا فالمعنى فبعد على الأرض التي خرج منها. ووقع في رواية هشام عن قتادة ما يشعر بأن قوله " فناء بصدره " إدراج، فإنه قال في آخر الحديث " قال قتادة قال الحسن: ذكر لنا أنه لما أتاه الموت ناء بصدره". قوله: (فاختصمن فيه) في رواية هشام من الزيادة " فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاه ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين أيهما كان أدني فهو لها". قوله: (فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي) أي إلى القرية التي خرج منها (وإلى هذه أن تقربي) أي القرية التي قصدها. وفي رواية هشام " فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد". قوله: (أقرب بشبر فغفر له) في رواية معاذ عن شعبة " فجعل من أهلها " وفي رواية هشام " فقبضته ملائكة الرحمة " وفي الحديث مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل الأنفس، ويحمل على أن الله تعالى إذا قبل توبة القاتل تكفل برضا خصمه. وفيه أن المفتي قد يجيب بالخطأ، وغفل من زعم أنه إنما قتل الأخير على سبيل التأول لكونه أفتاه بغير علم لأن السياق يقتضي أنه كان غير عالم بالحكم حتى استمر يستفتي، وأن الذي أفتاه استبعد أن تصح توبته بعد قتله لم ذكر أنه قتله بغير حق، وأنه إنما قتله بناء على العمل بفتواه لأن ذلك اقتضى عنده أن لا نجاة له فيئس من الرحمة، ثم تداركه الله فندم على ما صنع فرجع يسأل. وفيه إشارة إلى قلة فطنة الراهب، لأنه كان من حقه التحرز ممن اجترأ على القتل حتى صار له عادة بأن لا يواجهه بخلاف مراده وأن يستعمل معه المعاريض مداراة عن نفسه، هذا لو كان الحكم عنده صريحا في عدم قبول توبة القاتل فضلا عن أن الحكم لم يكن عنده إلا مظنونا. وفيه أن الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعا أو عاصيا، وأنهم يختصمون في ذلك حتى يقضي الله بينهم، وفيه فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها وأما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه، ولهذا قال له الأخير: ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية، والتحول منها كلها والاشتغال بغيرها، وفيه فضل العالم على العابد لأن الذي أفتاه أولا بأن لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير، وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة، قال عياض: وفيه أن التوبة تنفع من القتل كما تنفع من سائر الذنوب، وهو وإن كان شرعا لمن قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف لكن ليس هذا من موضع الخلاف لأن موضع الخلاف إذا لم يرد في شرعنا تقريره وموافقته، أما إذا ورد فهو شرع لنا بلا خلاف، ومن الوارد في ذلله قوله تعالى قلت: ويؤخذ ذلك أيضا من جهة تخفيف الآصار عن هذه الأمة بالنسبة إلى من قبلهم من الأمم، فإذا شرع لهم قبول توبة القاتل فمشروعيتها لنا بطريق الأول، وسيأتي البحث في قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ و حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ الشرح: حديث أبي هريرة في قصة البقرة التي تكلمت: قوله: (عن الأعرج عن أبي سلمة) هو من رواية الأقران، وقد رواه الزهري أيضا عن أبي سلمة، وسيأتي مع شرحه مستوفى في المناقب. قوله: (بينا رجل يسوق بقرة) لم أقف على اسمه. قوله: (إذ ركبها فضربها فقالت إنا لم نخلق لهذا) استدل به على أن الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه، ويحتمل أن يكون قولها إنما خلقنا للحرث للإشارة إلى معظم ما خلقت له، ولم ترد الحصر في ذلك لأنه غير مراد اتفاقا، لأن من أجل ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق، وقد تقدم قول ابن بطال في ذلك في كتاب المزارعة. قوله: (فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر) هو محمول على أنه كان أخبرهما بذلك فصدقاه، أو أطلق ذلك لما طلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا يترددان فيه. قوله: (وما هما ثم) بفتح المثلثة أي ليسا حاضرين، وهو من كلام الراوي، ولم يقع ذلك في رواية الزهري. قوله: (وبينا رجل) هو معطوف على الخبر الذي قبله بالإسناد المذكور. قوله: (إذ عدا الذئب) بالعين المهملة من العدوان. قوله: (هذا استنقذتها مني) في رواية الكشميهني " استنقذها " بإبهام الفاعل. قوله: (حدثنا علي حدثنا سفيان عن مسعر) هذا يدل على أنه سمعه من شيخه مفرقا، والحاصل أن لسفيان فيه إسنادين: أحدهما أبو الزناد عن الأعرج، والآخر مسعر عن سعد بن إبراهيم، كلاهما عن أبي سلمة، وفي كل من الإسنادين رواية القرين عن قرينه، لأن الأعرج قرين أبي سلمة كما تقدم لأنه شاركه في أكثر شيوخه ولا سيما أبو هريرة، وإن كان أبو سلمة أكبر سنا من الأعرج وسفيان بن عيينة قرين مسعر، لأنه شاركه في أكثر شيوخه لا سيما سعد بن إبراهيم، وإن كان مسعر أكبر سنا من سفيان. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْأَرْضُ إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ أَلَكُمَا وَلَدٌ قَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلَامٌ وَقَالَ الْآخَرُ لِي جَارِيَةٌ قَالَ أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا الشرح: حديث أبي هريرة أيضا " اشترى رجل من رجل عقارا " لم أقف على اسمهما ولا على اسم أحد ممن ذكر في هذه القصة، لكن في " المبتدأ لوهب بن منبه " أن الذي تحاكما إليه هو داود النبي عليه السلام؛ وفي " المبتدأ لإسحاق بن بشر " أن ذلك وقع في زمن ذي القرنين من بعض قضاته فالله أعلم. وصنيع البخاري يقتضي ترجيح ما وقع عند وهب لكونه أورده في ذكر بني إسرائيل. قوله: (عقارا) العقار في اللغة المنزل والضيعة وخصه بعضهم بالنخل، ويقال للمتاع النفيس الذي للمنزل عقار أيضا، وأما عياض فقال: العقار الأصل من المال، وقيل المنزل والضيعة، وقيل متاع البيت فجعله خلافا. والمعروف في اللغة أنه مقول بالاشتراك على الجميع والمراد به هنا الدار، وصرح بذلك في حديث وهب بن منبه. قوله: (فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له: خذ ذهبك فإنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع الذهب) وهذا صريح في أن العقد إنما وقع بينهما على الأرض خاصة، فاعتقد البائع دخول ما فيها ضمنا، واعتقد المشتري أنه لا يدخل. وأما صورة الدعوى بينهما فوقعت على هذه الصورة وأنهما لم يختلفا في صورة العقد التي وقعت، والحكم في شرعنا على هذا في مثل ذلك أن القول قول المشتري وأن الذهب باق على ملك البائع، ويحتمل أنهما اختلفا في صورة العقد بأن يقول المشتري لم يقع تصريح ببيع الأرض وما فيها بل يبيع الأرض خاصة، والبائع يقول وقع التصريح بذلك، والحكم في هذه الصورة أن يتحالفا ويستردا المبيع وهذا كله بناء على ظاهر اللفظ أنه وجد فيه جرة من ذهب، لكن في رواية إسحاق بن بشر أن المشتري قال إنه اشترى دارا فعمرها فوجد فيها كنزا، وأن البائع قال له لما دعاه إلى أخذه ما دفنت ولا علمت، وأنهما قالا للقاضي: ابعث من يقبضه وتضعه حيث رأيت، فامتنع، وعلى هذا فحكم هذا المال حكم الركاز في هذه الشريعة إن عرف أنه من دفين الجاهلية، وإلا فإن عرف أنه من دفين المسلمين فهو لقطة، وإن جهل فحكمه حكم المال الضائع يوضع في بيت المال، ولعلهم لم يكن في شرعهم هذا التفصيل فلهذا حكم القاضي بما حكم به. قوله: (وقال الذي له الأرض) أي الذي كانت له، ووقع في رواية أحمد عن عبد الرزاق بيان المراد من ذلك ولفظه " فقال الذي باع الأرض: إنما بعتك الأرضى " ووقع في نسخ مسلم اختلاف، فالأكثر رووه بلفظ " فقال الذي شرى الأرض " والمراد باع الأرض كما قال أحمد، ولبعضهم " فقال الذي اشترى الأرض " ووهمها القرطبي قال: إلا إن ثبت أن لفظ " اشترى " من الأضداد كشرى فلا وهم، وقوله "فتحاكما " ظاهره أنهما حكماه في ذلك، لكن في حديث إسحاق بن بشر التصريح بأنه كان حاكما منصوبا للناس، فإن ثبت ذلك فلا حجة فيه لمن جوز للمتداعيين أن يحكما بينهما رجلا وينفذ حكمه، وهي مسألة مختلف فيها: فأجاز ذلك مالك والشافعي بشرط أن يكون فيه أهلية الحكم وأن يحكم بينهما بالحق سواء وافق ذلك رأي قاضي البلد أم لا واستثنى الشافعي الحدود، وشرط أبو حنيفة أن لا يخالف ذلك رأي قاضي البلد، وجزم القرطبي بأنه لم يصدر منه حكم على أحد منهما، وإنما أصلح بينهما لما ظهر له أن حكم المال المذكور حكم المال الضائع، فرأى أنهما أحق بذلك من غيرهما لما ظهر له من ورعهما وحسن حالهما وارتجى من طيب نسلهما وسلاح ذريتهما، ويرده ما جزم به الغزالي في " نصيحة الملوك " أنهما تحاكما إلى كسرى، فإن ثبت هذا ارتفعت المباحث الماضية المتعلقة بالتحكيم لأن الكافر لا حجة له فيما يحكم به. ووقع في روايته عن أبي هريرة " لقد رأيتنا يكثر تمارينا ومنازعتنا عند النبي صلى الله عليه وسلم أيهما أكثر أمانة". قوله: (ألكما ولد) ؟ بفتح الواو واللام، والمراد الجنس، لأنه يستحيل أن يكون للرجلين جميعا ولد واحد، والمعنى ألكل منكما ولد؟ ويجوز أن يكون قوله " ألكما ولد " بضم الواو وسكون اللام وهي صيغة جمع أي أولاد، ويجوز كسر الواو أيضا في ذلك. قوله: (فقال أحدهم لي غلام) بين في رواية إسحاق بن بشر أن الذي قال لي غلام هو الذي اشترى العقار. قوله: (أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا) هكذا وقع بصيغة الجمع في الإنكاح والإنفاق وبصيغة التثنية في النفسين وفي التصدق، وكأن السر في ذلك أن الزوجين كانا محجورين وإنكاحهما لا بد مع وليهما من غيرهما كالشاهدين، وكذلك الإنفاق قد يحتاج فيه إلى المعين كالوكيل، وأما تثنية النفسين فللإشارة إلى اختصاص الزوجين بذلك. وقد وقع في رواية إسحاق بن بشر ما يشعر بذلك ولفظه " اذهبا فزوج ابنتك من ابن هذا وجهزوهما من هذا المال وادفعا إليهما ما بقي يعيشان به " وأما تثنية التصديق فللإشارة إلى أن يباشراها بغير واسطة لما في ذلك من الفضل، وأيضا فهي تبرع لا يصدر من غير الرشيد ولا سيما ممن ليس له فيها ملك. ووقع في رواية مسلم " وأنفقا على أنفسكما " والأول أوجه والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ فَقَالَ أُسَامَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَ أَبُو النَّضْرِ لَا يُخْرِجْكُمْ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ الشرح: حديث أسامة بن زيد في الطاعون وسيأتي شرحه مستوفى في الطب، والغرض منه هنا قوله في الحديث " الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل، ووقع هنا " رجس " بالسين المهملة بدل الزاي والمحفوظ بالزاي، ووجهه القاضي بأن الرجس يقع على العقوبة أيضا، وقد قال الفارابي والجوهري الرجس العذاب. قوله في آخر الحديث (فلا تخرجوا فرارا منه، قال أبو النضر: لا يخرجكم إلا فرارا منه) يريد أن الأولى رواية محمد بن المنكدر والثانية رواية أبي النضر، فأما رواية ابن المنكدر فلا إشكال فيها، وأما رواية أبي النضر فروايتها بالنصب كالذي هنا مشكلة، ورواها جماعة بالرفع ولا إشكال فيها، قال عياض في الشرح: وقع لأكثر رواة الموطأ بالرفع وهو بين أن السبب الذي يخرجكم الفرار ومجرد قصده لا غير ذلك، لأن الخروج إلى الأسفار والحوائج مباح، ويطابق الرواية الأخرى " فلا تخرجوا فرارا منه " قال ورواه بعضهم " إلا فرارا منه " قال وقال ابن عبد البر: جاء بالوجهين، ولعل ذلك من مالك، وأهل العربية يقولون دخول " إلا " هنا بعد النفي لإيجاب بعض ما نفي قبل من الخروج، فكأنه نهى عن الخروج إلا للفرار خاصة، وهو ضد المقصود فإن المنهي عنه إنما هو الخروج للفرار خاصة لا لغيره، قال وجوز ذلك بعضهم وجعل قوله " إلا " حالا من الاستثناء أي لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا للفرار، قال عياض: ووقع لبعض رواة الموطأ " لا يخرجكم الإفرار " بأداة التعريف وبعدها إفرار بكسر الهمزة وهو وهم ولحن. وقال في " المشارق " ما حاصله: يجوز أن تكون الهمزة للتعدية يقال أفره كذا من كذا ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم " إن كان لا يفرك من هذا إلا ما ترى " فيكون المعنى لا يخرجكم إفراره إياكم. وقال القرطبي في " المفهم " هذه الرواية غلط لأنه لا يقال أفر وإنما يقال فرر، قال: وقال جماعة من العلماء إدخال إلا فيه غلط. وقال بعضهم هي زائدة وتجوز زيادته كما تزاد لا، وخرجه بعضهم بأنها للإيجاب فذكر نحو ما مضى قال: والأقرب أن تكون زائدة. وقال الكرماني: الجمع بين قول ابن المنكدر " لا تخرجوا فرارا منه " وبين قول أبي النضر " لا يخرجكم إلا فرارا منه " مشكل فإن ظاهره التناقض، ثم أجاب بأجوبة: أحدها أن غرض الراوي أن أبا النضر فسر لا تخرجوا بأن المراد منه الحصر يعني الخروج المنهي هو الذي يكون لمجرد الفرار لا لغرض آخر فهو تفسير للمعلل المنهي عنه لا للنهي. قلت: وهو بعيد لأنه يقتضي أن هذا اللفظ من كلام أبي النضر زاده بعد الخبر وأنه موافق لابن المنكدر على اللفظ الأول رواية، والمتبادر خلاف ذلك. والجواب الثاني كالأول والزيادة مرفوعة أيضا فيكون روى اللفظين ويكون التفسير مرفوعا أيضا. الثالث إلا زائدة بشرط أن تثبت زيادتها في كلام العرب. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ الشرح: حديث عائشة في ذلك وسيأتي شرحه في الطب أيضا. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا الشرح: حديث عائشة في قصة المخزومية التي سرقت، وسيأتي شرحه في كتاب الحدود، وأورده هنا بلفظ " إنما أهلك الذين من قبلكم، وفي بعض طرقه " إن بني إسرائيل كانوا " وهو المطابق للترجمة وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلَالِيَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ خِلَافَهَا فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ وَلَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا الشرح: حديث ابن مسعود في النهي عن الاختلاف في القراءة، وسيأتي شرحه في فضائل القرآن. الحديث: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الشرح: حديث عبد الله وهو ابن مسعود، وشقيق هو أبو وائل. قوله: (كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه) لم أقف على اسم هذا النبي صريحا، ويحتمل أن يكون هو نوح عليه السلام، فقد ذكر ابن إسحاق في " المبتدأ " وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسير الشعراء من طريق إسحاق قال " حدثني من لا أتهم عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه أن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". قلت: وإن صح ذلك فكأن ذلك كان في ابتداء الأمر، ثم لما يئس منهم قال وأما النووي فقال: هذا النبي الذي جرى له ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم من المتقدمين، وقد جرى لنبينا نحو ذلك يوم أحد. قوله: (وهو يمسح الدم عن وجهه) يحتمل أن ذلك لما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم ذكر لأصحابه أنه وقع لشيء آخر قبله، وذلك فيما وقع له يوم أحد لما شج وجهه وجرى الدم منه. فاستحضر في تلك الحالة قصة ذلك النبي الذي كان قبله فذكر قصته لأصحابه تطييبا لقلوبهم. وأغرب القرطبي فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكي وهو المحكي عنه، قال وكأنه أوحي إليه بذلك قبل وقوع القصة، ولم يسم ذلك النبي، فلما وقع له ذلك تعين أنه هو المعنى بذلك. قلت: ويعكر عليه أن الترجمة لبني إسرائيل فيتعين الحمل على بعض أنبيائهم، وفي " صحيح ابن حبان " من حديث سهل بن سعد " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " قال ابن حبان: معنى هذا الدعاء الذي قال يوم أحد لما شج وجهه أي اغفر لهم ذنبهم في شج وجهي، لا أنه أراد الدعاء لهم بالمغفرة مطلقا، إذ لو كان كذلك لأجيب ولو أجيب لأسلموا كلهم، كذا قال، وكأنه بناه على أنه لا يجوز أن يتخلف بعض دعائه على بعض أو عن بعض، وفيه نظر لثبوت " أعطاني اثنتين ومنعني واحدة " وسيأتي في تفسير سورة الأنعام، ثم وجدت في " مسند أحمد " من طريق عاصم عن أبي وائل ما يمنع تأويل القرطبي، ويعين الغزوة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولفظه " قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين بالجعرانة قال فازدحموا عليه فقال: إن عبدا من عباد الله بعثه الله إلى قومه فكذبوه وشجوه، فجعل يمسح الدم عن جبينه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، قال عبد الله فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح جبهته يحكي الرجل، . قلت: ولا يلزم من هذا الذي قاله عبد الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مسح أيضا، بل الظاهر أنه حكى صفة مسح جبهته خاصة كما مسحها ذلك النبي، وظهر بذلك فساد ما زعمه القرطبي. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالًا فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ قَالُوا خَيْرَ أَبٍ قَالَ فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ قَالَ مَخَافَتُكَ فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ وَقَالَ مُعَاذٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (عن عقبة بن عبد الغافر) بين في الرواية المعلقة تلو هذه سماع قتادة من عقبة، وعقبة المذكور أزدي بصري، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر تقدم في الوكالة. وطريق معاذ هذه وصلها مسلم عن عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه به. قوله: (رغسه الله) بفتح الراء والغين المعجمة بعدها سين مهملة أي كثر ماله، وقيل رغس كل شيء أصله فكأنه قال جعل له أصلا من مال. ووقع في مسلم " رأسه الله " بهمز بدل الغين المعجمة، قال ابن التين: وهو غلط، فإن صح - أي من جهة الرواية - فكأنه كان فيه " راشه " يعني بألف ساكنة بغير همز وبشين معجمة، والريش والرياش المال انتهى. ويحتمل في توجيه رواية مسلم أن يقال: معنى " رأسه " جعله رأسا ويكون بتشديد الهمزة، وقوله "ما لا"، أي بسبب المال. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ أَلَا تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَمَّا أَيِسَ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ أَوْ رَاحٍ فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ لِمَ فَعَلْتَ قَالَ خَشْيَتَكَ فَغَفَرَ لَهُ قَالَ عُقْبَةُ وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ فِي يَوْمٍ رَاحٍ الشرح: قوله: (قال عقبة لحذيفة) هو عقبة بن عمرو أبو مسعود الأنصاري البدري. قوله: (حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي. وفي رواية الكشميهني " حدثنا مسدد " وصوب أبو ذر رواية الأكثر وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج أنه عن موسى؛ وموسى ومسدد جميعا قد سمعا من أبي عوانة، لكن الصواب هنا موسى لأن المصنف ساق الحديث عن مسدد ثم بين أن موسى خالفه في لفظة منه وهي قوله " في يوم راح " فإن في رواية مسدد " يوم حار " وقد تقدم سياق موسى في أول " باب ذكر بني إسرائيل. وقال فيه " انظروا يوما راحا " وقوله راحا أي كثير الريح، ويقال ذلك للموضع الذي تخترقه الرياح، قال الجوهري: يوم راح أي شديد الريح، وإذا كان طيب الريح يقال الريح بتشديد الياء. وقال الخطابي: يوم راح أي ذو ريح كما يقال رجل مال أي ذو مال، وأما رواية الباب فقوله " في يوم حار " فهو بتخفيف الراء، قال ابن فارس: الحور ريح تحن كحنين الإبل، وقد نبه أبو علي الجياني على ما وقع من ذلك. وظن بعض المتأخرين أنه عنى بذلك ما وقع في أول ذكر بني إسرائيل فاعترض عليه بأنه ليس هناك إلا روايته عن موسى بن إسماعيل في جميع الطرق وهو صحيح، لكن مراد الجياني ما وقع هنا، وهو بين لمن تأمل ذلك. قوله: (حدثنا عبد الملك) هو ابن عمير المذكور في الإسناد الذي قبله، ومراده أن عبد الملك رواه بالإسناد المذكور مثل الرواية التي قبله إلا في هذه اللفظة؛ وهذا يقتضي خطأ من أورده في الرواية الأولي بلفظ " راح " وهي رواية السرخسي، وقد رواه أبو الوليد عن أبي عوانة فقال فيه " في ريح عاصف " أخرجه المصنف في الرقاق. قوله: (أوروا) بفتح الهمزة وسكون الواو وضم الراء أي اقدحوا وأشعلوا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا قَالَ فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ الشرح: حديث أبي هريرة في الذي كان يداين الناس، وقد تقدم في البيوع. الحديث: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ الشرح: قوله: (حدثنا هشام) هو ابن يوسف. قوله: (كان رجل يسرف على نفسه) تقدم في حديث حذيفة أنه كان نباشا، وفي الرواية التي في الرقاق أنه كان يسيء الظن بعمله، وفيه أنه لم يبتئر خيرا، وسيأتي نقل الخلاف في تحريرها هناك إن شاء الله تعالى، وفي حديث أبي سعيد " إن رجلا كان قبلكم". قوله: (إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني) بضم المعجمة وتشديد الراء، في حديث أبي سعيد " فقال لبنيه لما حضر - بضم المهملة وكسر المعجمة أي حضره الموت - أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيرا قط، فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني " بفتح أوله والتخفيف. وفي رواية الكشميهني " ثم أذرني " بزيادة همزة مفتوحة في أوله، فالأول بمعنى دعوني أي اتركوني، والثاني من قوله أذرت الريح الشيء إذا فرقته بهبوبها، وهو موافق لرواية أبي هريرة. قوله: (في الريح) تقدم ما في رواية حذيفة من الخلاف في هذه اللفظة، وفي حديث أبي سعيد " في يوم عاصف " أي عاصف ريحه، وفي حديث معاذ عن شعبة عند مسلم " في ريح عاصف " ووقع في حديث موسى بن إسماعيل في أول الباب " حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي وامتحشت، وهو بضم المثناة وكسر المهملة بعدها شين معجمة أي وصل الحرق العظام، والمحش إحراق النار الجلد. قوله: (فوالله لئن قدر الله علي) في رواية الكشميهني " لئن قدر علي ربي " قال الخطابي: قد يستشكل هذا فيقال كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟ والجواب أنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب، وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله. قال ابن قتيبة: قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك؛ ورده ابن الجوزي وقال: جحده صفة القدرة كفر اتفاقا، وإنما قيل إن معنى قوله " لئن قدر الله علي " أي ضيق وهي قوله: قوله: (فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت) وفي حديث سلمان الفارسي عند أبي عوانة في صحيحه " فقال الله له كن فكان كأسرع من طرفة العين " وهذا جميعه كما قال ابن عقيل إخبار عما سيقع له يوم القيامة، وليس كما قال بعضهم إنه خاطب روحه، فإن ذلك لا يناسب قوله " فجمعه الله " لأن التحريق والتفريق إنما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث. قوله: (وقال غيره خشيتك) الغير المذكور هو عبد الرزاق، كذا رواه عن معمر بلفظ " خشيتك " بدل مخافتك، وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق بهذا، وقد وقع في حديث أبى سعيد " مخافتك، وفي حديث حذيفة " خشيتك". قوله في آخر حديث أبي سعيد (فتلقاه رحمته) في رواية الكشميهني فتلافاه قال ابن التين: أما تلقاه بالقاف فواضح. لكن المشهور تعديته بالباء وقد جاء هنا بغير تعدية، وعلى هذا فالرحمة منصوبة على المفعولية، ويحتمل أن يكون ذكر الرحمة وهي على هذا بالرفع، قال وأما " تلافاه " بالفاء فلا أعرف له وجها إلا أن يكون أصله فتلففه أي غشاه، فلما اجتمعت ثلاث فاءات أبدلت الأخيرة ألفا مثل " دساها " كذا قال ولا يخفى تكلفه، والذي يظهر أنه من الثلاثي، والقول فيه كالقول في التلقي. وقد وقع في حديث سلمان " مما تلافاه عندها أن غفر له". الحديث: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ الشرح: حديث عبد الله وهو ابن عمر في التي ربطت الهرة ولم أقف على اسمها، لكن تقدم أنها سوداء وأنها حميرية وأنها من بني إسرائيل، وأنه لا تنافي بين ذلك، وتقدم شرحه في أواخر بدء الخلق. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ الشرح: قوله: (عن أبي مسعود) هذا هو المحفوظ ورواه إبراهيم بن سعد عن منصور عن عبد الملك فقال " عن ربعي بن خراش عن حذيفة " حكاه الدار قطني في " العلل " قال: ورواه أبو مالك الأشجعي أيضا عن ربعي عن حذيفة، قلت: روايته عند أحمد، وليس ببعيد أن يكون ربعي سمعه من أبي مسعود ومن حذيفة جميعا. قوله: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة) الناس بالرفع في جميع الطرق ويجوز النصب أي مما بلغ الناس، وقوله "من كلام النبوة " أي مما اتفق عليه الأنبياء، أي أنه مما ندب إليه الأنبياء ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم، لأنه أمر أطبقت عليه العقول، وزاد أبو داود وأحمد وغيرهما " النبوة الأولى " أي التي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم. قوله: (فاصنع ما شئت) هو أمر بمعنى الخبر، أو هو للتهديد أي اصنع ما شئت فإن الله يجزيك، أو معناه انظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحي منه فافعله وإن كان مما يستحي منه فدعه، أو المعنى أنك إذا لم تستح من الله من شيء يجب أن لا تستحي منه من أمر الدين فافعله ولا تبال بالخلق، أو المراد الحث على الحياء والتنويه بفضله، أي لما لم يجز صنع جميع ما شئت لم يجز ترك الاستحياء. الحديث: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ الشرح: حديث ابن عمر " بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به " سيأتي شرحه مستوفى في كتاب اللباس، وعبد الله هو ابن المبارك، وقد رواه عن يونس أيضا عبد الله بن وهب أخرجه النسائي وأبو عوانة في صحيحه. قوله: (تابعه عبد الرحمن بن خالد) أي ابن مسافر (عن الزهري) أي بهذا الإسناد، وطريق عبد الرحمن هذه وصلها المؤلف في كتاب اللباس. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ كُلِّ أُمَّةٍ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى الشرح: حديث أبي هريرة في فضل يوم الجمعة، تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجمعة.
|