الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
من أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص وقد دل على ذلك الكتاب والسنة. فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} [الفتح: 4]. ومن أدلة السنة قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في النساء: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن). ففي الآية إثبات زيادة الإيمان، وفي الحديث إثبات نقص الدين. وكل نص يدل على زيادة الإيمان فإنه يتضمن الدلالة على نقصه وبالعكس، لأن الزيادة والنقص متلازمان لا يعقل أحدهما بدون الآخر. وقد ثبت لفظ الزيادة والنقص منه عن الصحابة ولم يعرف منهم مخالف فيه، وجمهور السلف على ذلك قال ابن عبد البر: وعلى أن الإيمان يزيد وينقص جماعة أهل الآثار والفقهاء أهل الفتيا في الأمصار. وذكر عن مالك روايتين في إطلاق النقص إحداهما: التوقف. والثانية: موافقة الجماعة. وخالف في هذا الأصل طائفتان: إحداهما: المرجئة الخالصة الذين يقولون: إن الإيمان إقرار القلب وزعموا أن إقرار القلب لا يتفاوت فالفاسق والعدل عندهم سواء في الإيمان. الثانية: الوعيدية من المعتزلة والخوارج الذين أخرجوا أهل الكبائر من الإيمان وقالوا: إن الإيمان إما أن يوجد كله، وإما أن يعدم كله، ومنعوا من تفاضله. وكل من هاتين الطائفتين محجوج بالسمع والعقل. أما السمع فقد تقدم في النصوص ما دل على إثبات زيادة الإيمان ونقصه. وأما العقل فنقول للمرجئة: قولكم: (إن الإيمان هو إقرار القلب، وإقرار القلب لا يتفاوت) ممنوع في المقدمتين جميعًا. أما المقدمة الأولي: فتخصيصكم الإيمان بإقرار القلب مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة من دخول القول والعمل في الإيمان. وأما المقدمة الثانية فقولكم: "إن إقرار القلب لا يتفاوت" مخالف للحس، فإن من المعلوم لكل أحد أن إقرار القلب إنما يتبع العلم ولا ريب أن العلم يتفاوت بتفاوت طرقه فإن خبر الواحد لا يفيد ما يفيده خبر الاثنين وهكذا، وما أدركه الإنسان بالخبر لا يساوي في العلم ما أدركه بالمشاهدة فاليقين درجات متفاوتة وتفاوت الناس في اليقين أمر معلوم، بل الإنسان الواحد يجد من نفسه أنه يكون في أوقات وحالات أقوى منه يقينًا في أوقات وحالات أخرى. ونقول: كيف يصح لعاقل أن يحكم بتساوي رجلين في الإيمان أحدهما مثابر على طاعة الله تعالى: فرضها ونفلها، متباعد عن محارم الله وإذا بدرت منه المعصية بادر إلى الإقلاع عنها والتوبة منها، والثاني مضيع لما أوجب الله عليه ومنهمك فيما حرم الله عليه غير أنه لم يأت ما يكفره، كيف يتساوى هذا وهذا؟ ! وأما الوعيدية فنقول لهم: قولكم : إن فاعل الكبيرة خارج من الإيمان مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة، فإذا تبين ذلك فكيف نحكم بتساوي رجلين في الإيمان أحدهما مقتصد فاعل للواجبات تارك للمحرمات، والثاني ظالم لنفسه يفعل ما حرم الله عليه، ويترك ما أوجب الله عليه من غير أن يفعل ما يكفر به؟! ونقول ثانيًا: هب أننا أخرجنا فاعل الكبيرة من الإيمان، فكيف يمكن أن نحكم على رجلين بتساويهما في الإيمان وأحدهما مقتصد، والآخر سابق بالخيرات بإذن الله ؟ !
|